لم تستطع القومية العربية أن تؤسس لمشروع نهضوي واحد، ليتحول أساساً ومنطلقاً لمشاريع تسهم في نهضة وتنمية المنطقة العربية، ويحتشد أرشيف الجامعة العربية بمئات من المشاريع المنكفئة على خيبتها دون أن تجد طريقها إلى الواقع، على حين أن أخبار الانشطارات والانقسامات التي تصل إلى التوتر والاشتباكات العربية - العربية تأخذ حيزاً واسعاً من نشرات الأخبار، سواء كان السبب بضعة كيلومترات مختلف عليها عند الحدود، أو مباراة لكرة القدم.
هاتفني الأسبوع الماضي الأستاذ نبيل عمارة الملحق الإعلامي في سفارة جمهورية مصر العربية في المملكة، على خلفية مقالي (أين عاقلهم؟)، الذي يدور حول الخلاف الأخير لمصر والجزائر. والأستاذ نبيل يحمل من اسمه الكثير، مع كم وافر من سعة الأفق والدماثة المصرية المعهودة، وأوضح لي بإسهاب الكثير من ملابسات وتفاصيل الخلاف بين مصر والجزائر، الذي تحول إلى قضية قومية ابتدأ فيها الاعتداء من البدني وصولاً إلى إغلاق الشركات وتجييش الشارع الجزائري ضد المصريين، وكان حديثه مشفوعاً ببعض الصور التي أُرسلت بالإيميل؛ لتعكس حجم العنف الذي تدخل في الصراع.
وحاولت أن أوضح للأستاذ نبيل أن مقالي كان دافعه الألم ويغلفه كم وافر من العتب؛ فنحن - شئنا أم أبينا - ندين للمصريين بالريادة الفكرية والأدبية والفنية في العالم العربي، وعقول وسواعد المصريين أسهمت في تأسيس الكثير من ملامح التنمية في المنطقة، ومن هنا بالتحديد كان العتب وافراً عندما نشاهد - على مسمع ومرأى من العالم - أن الكبار قد استُدرجوا لفخ حرب جوفاء بلا قضية أو أهداف أو منتصر حتى، مع كم وافر من الخسائر على المستويَيْن النفسي والمعنوي.
لطالما كان سكان وادي النيل الذي ينساب بهدوء ودعة منذ فجر التاريخ مثالاً للدماثة واللطف ولين الجانب.. يذكر الباحث الاجتماعي حليم بركات في كتابه الموسوعي (المجتمع العربي المعاصر) أن طبائع المصريين تعكس بيئتهم الخصبة الكريمة ونيلهم المنساب بيُسر وتدفق.
ولعل العمل الدبلوماسي بين مصر والجزائر لم يتحرك كما ينبغي بخطوات إسعافية عاجلة تتدارك الخلاف، وترمم الهوة بين الجارتين الشقيقتين، أيضاً الشخصية الكرزماتية لدى الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى لم تتدخل في لمِّ الشمل ورأب الصدع، وترك الأمر برمته إلى إعلام رياضي انفعالي، يقود جماهير مدرجات، تفتقد الحكمة وبُعد النظر.
الأستاذ النبيل - نبيل عمارة.. مصر هبة النيل.. مصر قلب العالم العربي.. مصر لها ريادة برق مشعل التنوير في المنطقة، لا أحمل ضدها سوى كمّ وافر من العتب فقط.