Al Jazirah NewsPaper Tuesday  08/12/2009 G Issue 13585
الثلاثاء 21 ذو الحجة 1430   العدد  13585
المخرج الأمريكي من أفغانستان (1)
د. وحيد بن حمزة عبدالله هاشم

 

لن يختلف العقلاء حول حقيقة ما أفرزته أحداث 11 سبتمبر الإرهابية التي وقعت في عام 2001م من تحولات وتداعيات جذرية في السياسات وفي العلاقات الدولية على كافة المستويات والأصعدة، فتلكم الأحداث غيرت مجرى التاريخ تماماً كما غيرت مجرى التطورات والمتغيرات الإقليمية والدولية.

العالم كله بسياساته وعلاقاته ومتغيراته وحراكه السياسي والاقتصادي والاجتماعي تحول من وضع مرن لوضع غير مرن مختلف تماماً في القوانين وفي القيم والمقاصد والأهداف، فمن توافق وتقارب إلى تباعد وصراع، ومن أمن واستقرار إلى مخاوف أمنية وخلخلة في موازين الاستقرار، ومن هدوء وسكينة إلى صخب وهدير وتوتر.

بالطبع فإن الأحداث الإرهابية تلك أقحمت العالم كله في أتون حرب عالمية على الإرهاب عامة، ومن ثم في حربين ضاريتين شنتهما الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة الأولى في أفغانستان والثانية في العراق بعد أن جاءت ردود الأفعال الأمريكية تماماً كما توقعها الإرهابيون... استخدام القوة العسكرية الأمريكية في تفعيل وتصعيد مخاطر عدم الاستقرار الإقليمي والعالمي، والأهم من ذلك كله الإعلان عن نشوب فتنة عالمية دينية وحضارية وثقافية لم يسبق لها مثيل من قبل في تاريخ الأمم.

الحرب الأمريكية على العراق كانت ولا زالت مكلفة الثمن، ومع هذا وجدت واشنطن مخرجاً سياسياً منها بعد أن نقلت السلطات العسكرية والأمنية إلى الحكومة العراقية الجديدة، وبعد أن سحبت قواتها العسكرية من المدن العراقية معلنة في نهاية المطاف عن انسحاب أمريكي عسكري كامل مع نهاية عام 2010م.

بيد أن المستنقع الأفغاني الذي وقعت فيه الولايات المتحدة الأمريكية بقواتها العسكرية ومعها عدد كبير من الدول الغربية لم يكن بالهين ولا بالممكن الخروج منه بسرعة كما هو حال الوضع في المستنقع العراقي. فالخروج الأمريكي من العراق أسهل بكثير من الخروج الأمريكي من المستنقع الأفغاني لأسباب كثيرة منها طبيعة العراق السياسية والجغرافية والاجتماعية والعقائدية، ناهيك عن تنامي المخاوف الإقليمية والدولية من بقاء حالة التورط الأمريكي في العراق أكثر وأطول الأمر الذي قد ينذر على المدى البعيد بتورط دول إقليمية في ذات المستنقع منها إيران على سبيل المثال لا الحصر.

صحيح أن إيران حولت الساحة العراقية إلى حلبة صراع ومنافسه وميدان مواجهة غير مباشرة مع الولايات المتحدة الأمريكية، بيد أن التكلفة الكلية وإن كانت عالية جداً على الشعب العراقي والحكومة العراقية، إلا أن طهران لا يمكنها أن تحتمل تجيير تلك التكلفة الباهظة إلى حسابها مستقبلاً، ولا أن تحتمل بقاء حالة الصراع المذهبي والطائفي طويلاً في العراق فقد ينتقل إليها، وأيضاً لا يمكنها أن تواصل أسعار معاركها ضد واشنطن مستخدمة أبناء الشعب العراقي الموالين لها كأدوات في ذلك الصراع، فالتكلفة السياسية والأمنية بل والعسكرية في هذا الوضع بالذات باهظة الثمن على إيران والعراق أكثر منها على الولايات المتحدة الأمريكية.

هناك تحديداً في العراق إيران تلام من شعبها وبالتحديد من الشعب العراقي على بقاء حالة التأزم والصراع في العراق كما هو حال الولايات المتحدة الأمريكية. لذا فإن نزع فتيل التأزم والتصعيد في العراق يعود بالإيجاب على الوضع والحال في إيران، لذا جاءت حالة التفاهم الأمريكي الإيراني حول الوضع السياسي والمذهبي في العراق في الوقت المناسب بما يتلاءم مع مصلحة الطرفين ومعهما أيضاً الطرف العراقي.

بيد أن المستنقع الأفغاني مستنقع مفتوح الأطراف عميق الوجهات متعدد الأبعاد يحتمل بقاء الحال المتوتر فيه مدة زمنية أطول بكثير من المستنقع العراقي ليس وحسب لطبيعة أفغانستان الجغرافية المعقدة، وإنما لطبيعة الأفغان أنفسهم سواء من حيث الثقافة السياسية أو المدنية أو من حيث العادات والتقاليد وتجاور وامتزاج العرق البشتوني بين دولتين متجاورتين الباكستان وأفغانستان. والبقية في العدد القادم إن شاء الله.

www.almantiq.org



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد