أجاز د. قيس بن محمد آل شيخ مبارك عضو هيئة كبار العلماء تأخير إقامة صلاة العشاء في المملكة في رده على سؤال لصحيفة اليوم يتضمن هذا المقترح. وإن كان هذا الاقتراح يتردد بين الحين والآخر، إلا إنه لم يتم حسمه، أو اتخاذ قرار بشأنه. وكنت قد أوردت في مقال سابق الأسباب الداعية لتأخير صلاة العشاء لأكثر من ساعتين بعد صلاة المغرب، ولا سيما أنه طبق في شهر رمضان وكان له مردود اجتماعي طيب. خصوصاً أن الوقت الفاصل بين خروج المصلين من صلاة المغرب وأداء السنة وبين أذان العشاء ساعة واحدة فقط، وهي غير كافية للخروج للتسوق وقضاء المستلزمات أو حتى الزيارات الخاطفة، حيث يكون موعد صلاة العشاء قد حل وهو ما يجعل المرء في حرج فيضطر للتأخر لما بعد الصلاة، وحينها يفرط الوقت ويمتد طويلاً ويصعب التحكم به!
وحينما سئل الشيخ عبد المحسن العبيكان عن سبب عدم إصدار فتوى بشأنه قال: (لا يحتاج لإصدار فتوى، لأنه من المعلوم شرعاً أن تأخير صلاة العشاء إلى آخر وقتها المختار - أي إلى الثلث أو النصف الأول من الليل- مستحب, وأنا أرد الأمر إلى أهل الرأي لاتخاذ ما يرونه مناسباً وذلك بعد استبيان وبحث عن رغبات الناس فيما يحقق المصلحة).
ولأن وزارة الشؤون الإسلامية هي المعنية بالأمر فإنه يحسن بها دراسة إيجابيات إقراره لعله يكون سبباً في دفع أفراد الأسرة للعودة للمنزل سريعا بعد أداء الصلاة، وعدم الخروج منه إلا لأسباب ضرورية، بل قد يخفف من وطأة الحركة المرورية القاسية التي يعاني منها سكان العاصمة والمدن الكبرى، ولعله يكون مبرراً معقولاً لإغلاق المتاجر والمحلات بعد أداء الصلاة مباشرة لا سيما في فصل الصيف.
والمعروف أن وقت العشاء طويل ويمتد من مغيب الشفق الأحمر إلى منتصف الليل. ومن الناحية الشرعية يفضل تأخير صلاة العشاء بل ويدخل في باب الاستحباب في هذا العصر بالذات مع تغير الزمان واختلاف أحوال الناس وأوضاع حياتهم عما كانت عليه، بمعنى أنه يتفق مع منهج (الاستصلاح) ذلك المصطلح الذي يعني بناء الأحكام الفقهية على مقتضى المصالح المرسلة، وهي الأمور التي يحتاج إليها المجتمع لإقامة حياة الناس. وتدعمه العوامل الداعية للاستصلاح وجلب المصالح، والسنة النبوية حين بكرت بوقت صلاة العشاء كانت تراعي العرف زمن الرسول صلى الله عليه وسلم ورفع المشقة عنهم لأنهم كانوا ينامون مبكراً، أما في هذا الزمان فالعرف أصبح سهر الناس إلى منتصف الليل على أقل تقدير، وهو ما يقتضي دراسة هذا الأمر بجدية من لدن وزارة الشؤون الإسلامية وبالذات الوكالة المختصة بالمساجد.
يقول الطوفي (إن الله تعالى لم يشرع حكماً إلا وأوسع الطريق إليه، ويسره حتى لم يبق دونه حرج ولا عسر). والعجيب أن مثل هذا الأمر ما زال يثير جدلاً واسعاً بين العلماء والمشايخ والأئمة، ولم يقتصر عليهم فقط، بل تناولته وسائل الإعلام المختلفة، إلا أن مجلس الشورى لم يناقشه إطلاقاً بحجة عدم الاختصاص!
www.rogaia.net
rogaia143@hotmail.com