على غير المألوف تمر مناسبات (العيد) على البعض فتتوشح أيامها ولياليها، بأفراحها وأتراحها بعواطف الإنسان المتقلبة، ويصبغها بذاتيته، وأحاسيسه، ومشاعره الطافحة، ولا يستطيع كتمانها، أو المحاباة والمداجاة مهما حاول، أو بذل من أسباب التصنع، ودونك هذه الخلجات الجامحة من الشاعر (القروي)، وهو يقول في المناسبة، بعد أن رأى التناقض بين حاله وحال الآخرين:
|
قل: هل رأيت شموس (الغيد) في العيد |
تختال بالبيض من أجفانها السودِ |
يقول صحبي، لماذا أنت مكتئبٌ؟ |
وكلنا بين تهليل وتغريدِ |
فرحتُ عنهم، وفي عيني وفي كبدي |
ما ليس يدرون من همٍّ وتسهيدِ |
أمشي الهوينا، وأحشائي مقطّعةٌ |
شعبٌ يقضّون هذا (العيد) في البيدِ |
الجراح الغائرة في الوطن العربي الكبير لا يمكن أن تندمل بتلك السهولة التي نتصورها، وكلما أفاقت هذه المجتمعات المبتلاة من حدث نكأتها أحداثٌ أُخر، أكثر إيلاما، وأشد وقعا. ولم يكن (القروي) في ذلك (العيد) وغيره من (الأعياد) هو الوحيد الذي يعاني من وطأة النفي والغربة والتشريد، ففي كل قطر، وفي كل بقعة مأساة كبرى، يندى لها جبين الإنسانية، ولو تجاهلنا الملفات الساخنة في العالم بشكل عام إلى واقع الوطن العربي الجريح لألفينا الواقع المرير متجسّداً في (اليمن السعيد) هذه الأيام، حين تنكّر له ثلة من المتمردين، وخرجوا على السلطة الرسمية، وشقوا عصا الوحدة والطاعة، ولم يكتفوا بحدود إقليمهم وحسب، إذ أساؤوا أيما إساءة لحق الجوار، ولدولة من الدول التي وقفت مع الشعب اليمني برمته في جميع أطوار محنته التي مرّت به في التاريخ المعاصر. ومن المعروف أن (المملكة العربية السعودية) في كافة مواقفها المساندة لليمن لم تنتظر من أحد جزاء ولا شكورا، فهي حين تمد يدها للآخرين وتواسيهم تنطلق من واجبات عظيمة، وأهداف سامية تمليها تعاليم الدين الإسلامي، وتفرضها روابط الأخوة، والجوار، والتاريخ المشترك بين الشعبين الشقيقين الذي لا يمكن أن ينال منه الدخلاء، أو من ينفخ في أبواقهم.
|
لقد لاحظ العالم بأسره وشاهد، كيف حاولت (المملكة العربية السعودية) أمام ذلك الاستهداف البشع أن تخفف حجم المعاناة، وتحد من تداعيات الكارثة على سكان المناطق الحدودية، ممن وقعوا ضحية لفلول الإرهاب، وشراذم الظلال، وكانت مراكز الإيواء الكبيرة، والخدمات المميزة التي وفرتها للنازحين بصرف النظر عن جنسيتهم كلها دلائل وقرائن تبرهن على المنطق العقلاني للحكومة، واستشعار المسؤولية والأمانة أمام الله والتاريخ، وهي تتعامل مع هذه الأحداث المؤسفة التي كثيرا ما حاولت أن تنأى بنفسها عنها.
|
دائماً نحن في هذه البلاد المباركة، وأمام الواجب الوطني يقف الشعب كله، وبجميع فئاته وأطيافه خلف قيادته، واضعا كل قواه وما يمتلكه في يدها وتحت تصرفها، متناسيا (أجواء العيد)، وما يعمرها من احتفالات. الجميع في هذه الأيام مع الجنود البواسل في أرض المعركة، والجميع مع الأمهات الثكالى، مع الشيوخ والأطفال الذين اكتووا بنار الإرهاب، وعبث الفئات الضالة المتطرفة.
|
|