منذ نحو ثماني سنوات وأنا هنا أتابع نمو دبي ومغامراتها، واتجاهاتها وأحلامها، كانت دبي خلالها تنمو في كل شيء تقريباً، وتضع نفسها على الخارطة دائماً بمناطق حرة مختلفة، وتريد أن تصبح مركزاً إقليمياً وعالمياً للمال والاقتصاد والإعلام والصحة والرياضة والسياحة والثقافة والترفيه والمعجزات العمرانية... إلخ.
وكانت تقاوم باستمرار الأسئلة المثيرة للشكوك أحياناً أو تلك التي ليست بالضرورة جادة، لكن التشكيك في دبي الظاهرة أو الفقاعة أو الإنجاز - سمِّها ما شئت - ظل متواصلاً في منطقة لم يكن فيها أي نموذج اقتصادي أو بقعة جغرافية مضيئة وحالمة سواها.
لكن إمارة العولمة ظلت ترفع سرعتها في البناء والتشييد إلى الحد الأقصى، وأصبحت مركز جذب عالميا للاستثمارات والمستثمرين الباحثين عن الجائزة الكبرى. نجحت في تحقيق الكثير، وجمع الآلاف من جنسيات العالم ثروات من اقتصاد الإمارة الحرة.
وقبل أن تظهر عوارض مرض الاقتصاد العالمي وترتفع درجة حرارته كان السؤال يكبر في أوساط المتابعين والمراقبين على حد سوا، إلى أين تتجه دبي؟.. لم تنشغل الإمارة بمثل هذا السؤال كثيراً رغم أهميته؛ بسبب انشغالها بالعمل على إنجاز مشاريعها.
وصلت الأزمة المالية الاقتصادية لدبي سريعا؛ فهي السوق الأكثر انفتاحاً على الاقتصاد العالمي، والأكثر ارتباطاً به، كما أن دبي الخالية من الموارد الطبيعية تقريباً جذبت قروضاً كبيرة من مؤسسات مالية عالمية وإقليمية وأفراد لتمويل مشاريع عدة. مع تعمق الأزمة قاومت دبي، حاولت التصحيح، وحاربت الفساد، وبدلت في قيادات إدارية، منها المفاجئ وآخر المتوقع، ثم جمدت وألغت مشاريع عدة.
لكن الأسبوع الماضي جعل دبي الإمارة والميناء العالمي تحت نظر الإعلام الدولي في أعقاب الأزمة الحادة التي تواجهها أهم شركات الإمارة (دبي العالمية)، ومنطقة جبل علي الحرة، بعد أن تضخمت ديونهما بشكل لافت ومقلق لناحية القدرة على السداد.
اهتزت صورة دبي الاقتصادية كما لم يحدث ذلك من قبل، وقدمت تقارير دولية وتحليلات حادة بشأن ديونها ووضعها الاقتصادي.
هناك رأي يقول إن دبي كانت ستتعرض لمثل هذه الأزمات؛ حيث لا شيء ينمو إلى الأبد بهذه السرعة والتشعب، لكن المهم أن دبي بالفعل بنت وأسست إمارة حديثة في بنيتها ومنشآتها وخدماتها، وما أُسِّس وبُني سيبقى ولن يذهب بسبب الأزمة التي تتعرض لها الآن. وستعود دبي بعد أشهر أو أعوام أكثر تركيزاً وتصحيحاً في قيادتها الاقتصادية والإدارية التي فشلت في التعامل مع الأزمة عملياً وإعلامياً.
ومن المهم أن تفكر دبي في وجهتها التالية، وتعيد تشريح السؤال: إلى أين تتجه دبي؟ وكيف تريد أن تكون؟ ما رؤيتها الجديدة؟؛ فهي في النهاية لا يمكن أن تكون مركزاً لكل شيء، حتى وإن كان محيطها الإقليمي الواسع متواضعاً في خدماته، أو متردداً في انفتاحه، وتقليدياً في أدائه، وفاسداً في إداراته.
إلى لقاء