كنا في بيوت الشعر وسط الصحراء أو قريباً من سفوح الجبال وما أن بدأ صندوق التنمية العقاري يمنح القروض حتى سارعنا إلى تقديم الطلبات طلباً للاستقرار ورغبة في الانتقال من مجتمع البادية إلى الحضر، وبالفعل سرعان ما حصلنا على هذه الأموال التي كانت بمثابة الحلم، والمسافة بيننا وبينها بعيدة جداً، حينها لم نكن على دراية كافية بمواصفات المسكن الذي يقينا بعد حماية الله وحفظه مخاطر السيول وشدة الأمطار، لم نفكر في المستقبل كثيراً، لقد كانت فرحتنا كبيرة حين شيّدنا بيوتاً شعبية صغيرة فهي تعد في نظرنا آنذاك نقلة حقيقية لا مثيل لها!!، وسهل الأمر وأعاننا على المضي في هذا الطريق الذي اكتشفنا بعد ذلك خطأه، المقاول المنفذ، والمهندس المشرف، وممثل الصندوق الذي كان يغض الطرف عن كثير من المواصفات والمتطلبات، ومع مرور السنوات وحين الشتاء وعند هطول الأمطار خاصة تصبح حالنا أشد ما تكون بؤساً وصعوبة ومعاناة، لقد تقادم على هذه المساكن الزمن وصارت غير قابلة للعيش فيها ومع ذلك ما زالت الأموال التي بنيت فيها قروضاً متعلقة بذممنا نحن كبار السن المتقاعدين أو أنها انتقلت إلى ذمم الورثة من بعد موت المورث الذي استلم القرض وربما شيد مسكنه بجزء من المبلغ وصرف الباقي في تحقيق ما كان يحلم به من شراء سيارة جديدة أو زواج أو ما إلى ذلك يتوافق وانتقاله إلى حياة المدينة. هذه ليست حكاية ولا هي تصوير لحالة شخص أو شخصين أو حتى عشرة بل معاناة حقيقية لشريحة عريضة من سكان عدد من الأحياء القديمة في كثير من مناطق المملكة ولعل من هذه الأحياء حي البادية في مدينة حائل الذي تقادم بكثير من بيوته الزمن فصار قاطنوها يرقبون السماء رغبة ورهبة، وما أن تنزل الأمطار حتى يهب الجميع لترميم ما يمكن، حماية لممتلكاتهم، ومحافظة على أثاثهم البسيط الذي تحتضنه تلك المباني الخطرة ومنتهية الصلاحية، وربما وقفت قلت ذات اليد وشدة العوز سداً منيعاً أمام الكثير منهم لتفادي ما قد يحدث من آثار سلبية متوقعة كما هو الحال في الأيام القريبة الماضية.
إن هذه الشريحة المحتاجة ذات المساكن القديمة المتهالكة يلتمسون من لدن مقام خادم الحرمين الشريفين التفاتة أبوية حانية ترفع عنهم شدة المعاناة وتخفف عنهم المأساة، وأملهم كبير في أن يصدر الأمر الملكي الكريم في تكوين لجان متخصصة وفي جميع مناطق المملكة تحصر هذه المباني وتقوم بدراسة شاملة لوضعها ومدى صلاحيتها ومستحقاتها المالية التي هي دين في عنق أصحابها ووضع أصحابها الاقتصادي والاجتماعي والنفسي، ولعل ما أغرى هذه الشريحة في التماس هذا الأمر ما عرفوه عن قائد مسيرتنا التنموية المباركة والمخطط للاستراتيجيات النهضوية الشاملة والمستشرف لمستقبلنا القادم من خلال رؤية إصلاحية متكاملة، ما عرفوه عنه رعاه الله من شمولية في النظرة، وعمق في التفكير، وسبق للأحداث، وعاطفة إنسانية لا حدود لها، علاوة على ما هم فيه من حال مأساوي يصاحبه الخوف الدائم والترقب المستمر لما قد يقع لا سمح الله خاصة في مثل هذه الأيام، إضافة إلى أن بعض هذه البيوت هُجرت من قبل أصحابها أو أنها أُجّرت لعمالة وافدة فصارت سبباً من أسباب الإيذاء النفسي والاجتماعي لسكان الحي بأكمله وربما امتد الأمر لتكون وكراً للجريمة ومقارَّ للمفسدين والعابثين في الأرض وإلى لقاء والسلام.