زلزلت كارثة جدة أركان المملكة وسكانها.. وأبكت الصغير والكبير والقاصي والداني.. حتى أضحى (الأربعاء الأسود) قضية كل سعودي يغار على أرضه.
جاءت الكارثة وتداعياتها المؤلمة كصاعقة على أهل جدة وكل المدن السعودية بلا استثناء..
منظر مؤلم.. جثث مترامية وسيارات منثورة على أرض المدينة، أنفاق تحولت إلى مسابح أولمبية، أناس تصرخ وتشكي وتبكي وآخرون اكتفوا بالمشاهدة والبكاء والصراخ من الداخل فلا كلمة ولا دموع تستطيع أن تطفئ نار الفقد والظلم في داخلهم.
مشهد مهول تقشعر له الأبدان وليس من رأى وعاصر والتقطت أعينه مشاهد للعمر ليست للصحافة كمن سمع.
كانت هذه الكارثة التي كان سببها الأول والأخير (الفساد) بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى مرعب، أمام مصيرين لا ثالث لهما.. إما أن نطأطئ رؤوسنا وندفنها في الرمال، ونسمح بالصراخ والبكاء ونثور قليلاً ونكون عاطفيين كثيراً! ومن ثم تمر هذه الكارثة كعاصفة تحدث بعض الضجيج وتهدأ بعد ذلك وكأن شيئاً لم يكن.
أو نبدأ حرباً حقيقةً بقيادة الملك المصلح العادل عبد لله بن عبد العزيز ضد الفساد بكل أشكاله وألوانه وأشخاصه!.
وفعلاً هذا ما حدث.. حيث جاء البيان الملكي التاريخي بتشكيل لجنة لتقصي حقيقة هذه الفاجعة ومساءلة ومحاسبة والتحقيق مع المقصر كائناً من كان في ذلك الملف المشبع بالفساد والسلب والنهب والاحتيال.
ذلك القرار كان انتصاراً وإنصافاً لكل المنكوبين الذين كانوا ضحايا للفساد، لكل من دفع ثمن عيشه في مدينة لم تتحمل بضع ساعات من المطر, لكل من أقفل على عائلته الباب ودلف منزله -الذي اعتقد أنه آمن - بعد يوم طويل وشاق من العمل الشريف.
خادم الحرمين انتصر للمظلومين المكلومين الذين لا أحد لهم بعد الله سوى ذمته، وأعلن الحرب على الفساد والمفسدين وعلى كل من شرفه الله بقضاء حوائج الناس وخان تلك الأمانة ونسي أو تناسى أن على الظالم تدور الدوائر وأنه جل جلاله يمهل ولا يهمل.
أتساءل أين هو دور مجلس الشورى السعودي؟!.
الذي من المفترض أن يكون نبض الشارع والواقف دائماً إلى جانب احتياجات ومعاناة وهموم المواطن البسيط.. لماذا هو غائب عن هذه المأساة؟ أم أنه يرقد في كوكب آخر؟!
لماذا لم يعقد (جلسة طارئة) فور وقوع الكارثة يناقش فيها الأسباب والتداعيات والحلول ويسجل موقفاً أو حتى يقدم العزاء لأهالي الضحايا!.
أتساءل ويتساءل كل السعوديين معي، إذا لم تهز مجلس الشورى ملمة وكارثة بهذا الحجم أودت بحياة أكثر من مئة شخص، وسبب خسائر بمئات الملايين، كارثة تحدث عنها الصغير قبل الكبير وكانت حديث المجالس و- لا تزال - بامتياز، وتابعها العرب باهتمام وألم مثل السعوديين.. وتناقلتها وسائل الإعلام من قنوات فضائية وصحافة وغيرها بالتحليل أو الرصد فماذا يحركه ويهز قبته ويؤرق نومه؟!
حقيقة.. لا حديث أجمل وأروع وأقوى من حديث من له في أعناقنا بيعة، ولنا في عنقه مسؤولية (عبد الله بن عبد العزيز) الذي أثلج الصدور وأشفى الغليل.
فموقفه الأخلاقي وقراره إثر فاجعة جدة دليل على حس المسؤولية العالي لديه تجاه شعبه، وإنصافه وعدله لهم فقد زاد رصيده حبه لدى الشعب، وارتفعت أسهمه حتى الأفق، وأضحى اليوم حبيب الشعب وبطلهم بلا منازع.
بيض الله وجهك وأيدك بنصره ولا خفض لك راية فالأوطان تستحق منا العمل والفعل كما استحقت من أجدادنا الدماء.
فهنيئاً لك..
حكمت، فعدلت، فنمت.