الجزيرة - عبدالعزيز العنقري
توقع اقتصادي أن تضطر حكومة دبي لبيع بعض الأصول التي تملكها شركاتها لمواجهة أزمتها المالية مستبعداً أن تسمح الإمارات وحكومة دبي لهذه الشركات بالإفلاس. وقال أستاذ المحاسبة الدكتور عبدالرحمن الحميد ل(الجزيرة): أعتقد أن حكومة دبي ستضطر لإعادة الهيكلة بهدف تقليل الدفعات النقدية المستقبلية (وقد تنجح بهذا وقد لا تنجح)، وسيتم هذا من خلال بيع بعض الأصول التي تملكها هذه الشركات، فبيع الأصول أصبح أمراً حتمياً.
ثمن الأزمة وحول الآلية التي سيتم بها البيع وهل سيكون البيع لحكومة أبو ظبي حصراً أم أن أطرافاً خارجية ستشارك بها, قال الحميد: أمام دبي خياران إما الاستسلام لأبوظبي لتحصل على إعانات مباشرة وغير مباشرة. أو الاستسلام للآخرين مرجحاً الخيار الأول بسبب التداخل القوي بين أبوظبي ودبي في كافة المناحي الرسمية والشعبية والاستثمارية، وهم في النهاية دولة واحدة، ولذلك لن ينظروا للعملية من جانبها الاقتصادي وسيشترون بأسعار أعلى من الآخرين، أما إذا ترك الأمر للعملية الاقتصادية البحتة فبدون شك بأن كثيراً من استثمارات دبي ستتخلى عنها حكومة دبي وتفلس لتصبح قسمة غرماء، كما حدث لبنك ليمان براذرز العام الماضي. وعندها سيفقد الدائنون أغلب حقوقهم، وهذا برأيي لن يحدث وبالتالي فإن دبي ستخضع في النهاية لأبوظبي وتمتثل لقانون الدولة بالرغم من أن دبي مازالت ترى نفسها أكثر تطوراً وانفتاحاً من باقي الإمارات الأخرى.
قراءة في دفاتر الأزمة
وعن مسببات أزمة قروض دبي قال الحميد: بداية لا بد من توضيح مسألة أساسية وهي أن عملية اتخاذ القرار الاستثماري في الأدوات المالية سواء (صك إسلامي أو سند أو إقراض عادي) يعتمد بالدرجة الأولى على التدفقات النقدية المستقبلية المتوقعة، بالإضافة للجهة الاعتبارية والقانونية المُصدرة للورقة، وكذلك التأمين على الورقة، وأخيراً الضمانات والرهون على الأوراق التي تُصدر وعادة الورقة المالية التي تصدر من الحكومة تعتمد في إصدارها على التدفقات النقدية المستقبلية وعلى قوة هذه الحكومة وقوة اقتصادها بينما الورقة المالية المُصدرة من الشركات فإنها تعتمد على قوة التدفق النقدي المستقبلي فقط.
وما حدث في دبي أن من اشترى هذه الورقة عند إصدارها كان يعتقد أن دبي كحكومة ودبي العالمية كشركة وما يتبعها من شركات ستكون الدجاجة التي تبيض ذهباً. ففي 2006 كان كل الناس مندفعين للاستثمار في دبي لاعتقادهم أنها المستقبل، ولذلك تم شراء هذه السندات على مستويات عليا وعلى تدفقات نقدية مستقبلية, وعندما حلت الأزمة المالية بدأت الشكوك تظهر بشكل واضح بأن هذه السندات بنيت على تدفقات نقدية تخالف ما كان متوقعاً لا من حيث درجة الخطورة فقط، وإنما من حيث سعر الفائدة الذي يُدفع عليها، إضافة لاسترداد القرض ذاته.
ومضي الحميد: من هنا بدأت الشكوك تحيط بدبي كاملة وباندفاعها الهائل في بناء مشاريع بمليارات الدولارات والتي كان يعول عليها أن تأتي بمردود عالٍ، فانحسرت التوقعات المتفائلة وأصبح واضحاً للمقرضين بأن دبي كحكومة وكشركات ستواجه مشكلة في دفع أقساط الفوائد (الكوبونات) وفي دفع أصول القروض, وهذا ما يبرر زيادة مستوى التأمين على هذه القروض منذ العام الماضي وتابع: أضف لذلك أن الكثير من مشاريع دبي لم يتم فيها مراعاة المعدل المثالي عند مزج رأس المال مع الاقتراض هو (40 إلى 60), ففي بعض المشاريع وصلت النسبة (10 إلى 90) بمعنى 10% رأس مال و90 % اقتراض وهذا ما أدى للإفلاس والفشل.
أسباب الخلط بين حكومة
دبي وشركاتها
وحول ما أشيع من الخلط بين الشخصية القانونية للشركات والشخصية القانونية لحكومة دبي، قال الحميد: أتت هذه النغمة من البريطانيين من خلال خلطهم بين حكومة دبي وشركاتها بمعنى لولا حكومة دبي لما أقرضنا هذه الشركات، بينما لو عدت لنظام الشركات في دبي لوجدت انه نظام مشابه للنظام السعودي والفرنسي لأنه ينص على محدودية في عملية الدائنية بمعنى أن الدائنية محدودة في رأس المال والأصول الموجودة في الشركة. بمعنى أقصى ما تصل إليه هو أن تصفي الشركة وتحصل على الأصول وعن سعي الدائنين الأجانب لاستصدار إجراء قانوني يمكنهم من تملك أصول دبي بهدف تعويض خسائرهم قال الحميد: إن قانون ملكية الأجانب في دبي يمنع ذلك، ولكن يستطيعون الشراء عن طريق دخول البنوك كوحدة واحدة ليشتروا الأصول ثم إعادة بيعها لأطراف إماراتية.
تأثير الأزمة على دول الخليج
وعن تأثيرات أزمة دبي على منطقة الخليج قال الحميد: على المدى القصير سيكون هناك تأثير نفسي قوي على اقتصاديات الخليج وأسواق المنطقة وحتى على العقار وبعد ذلك من ناحية عملية أتوقع انتقال الكثير من الأموال من دبي إلى المملكة والكويت والبحرين؛ لأنها دول متحفظة في اتخاذ القرارات الاقتصادية واستبعد قطر ودول جنوب شرق آسيا لوجود المضاربات وفقاعات في بعض أصولها، كما في الصين.
وأضاف لا بد من التأكيد على أن النهاية الأساسية في الاقتصاد ككل هي أن ينتهي عند الطلب الحقيقي وحول تعرض البنوك السعودية لديون دبي قال: ستكون محدودة جدا وبنسب لا تذكر، ولكن الخوف من العملاء المقترضين من البنوك أن يكون لديهم صكوك قاموا برهنها لغرض الاقتراض بالرغم من استبعادي لهذا الأمر.
وأضاف الحميد أن السياسة التحفظية للمملكة في نظامها المصرفي أثبتت أنها سياسة جيدة خصوصاً في ظل الأزمات، وقد لا تكون السياسة المثالية لعدم تشجيعها على النمو الاقتصادي، ولكنها حمت المملكة من مشاكل كبيرة وعن احتمال ظهور فقاعات في الأصول مستقبلاً والدول المرشحة لذلك. قال الحميد: أتوقع أن تكون في مناطق جنوب شرق آسيا, وفي منطقة الخليج أتوقع قطر إذا لم تأخذ حذرها وعن رؤيته المستقبلية لاقتصاد دبي بعد هذه الأزمة قال الحميد: ستنكمش دبي اقتصادياً حتى تعود لحجمها الطبيعي المعتمد على تدفقات نقدية مستقبلية متوقعة وليست خيالية وستضطر لبيع بعض أصولها باعتباره حبل النجاة الوحيد لها, أو تستلم سياسياً لأبوظبي.