Al Jazirah NewsPaper Sunday  06/12/2009 G Issue 13583
الأحد 19 ذو الحجة 1430   العدد  13583

أما بعد
انتفاضة ضد الفساد
د. عبد الله بن عبد العزيز المعيلي

 

تابع المواطنون بمزيد من الأسى والحزن ما حصل في جدة، وكانت فاجعة بكل المقاييس، فاجعة في بعديها البشري والمادي، رحم الله الشهداء الغرقى، وأسكنهم فسيح جناته، وعجل بشفاء المصابين، وطمأن نفوس ذوي المفقودين، وخلف على المنكوبين خيراً مما فقدوا في هذه الكارثة الفاجعة.

وجاء البلسم والعزاء في الأمر الملكي الكريم، حيث وجه خادم الحرمين الشريفين بصرف مليون ريال إعانة مستعجلة لأسرة كل شهيد، وعزز الطمأنينة في النفوس ردة الفعل الحازمة الجازمة من خادم الحرمين الشريفين يحفظه الله في تتبع جذور الفساد الذي أفضى إلى هذه الكارثة، وزاد من الشعور بالطمأنينة أن توجت رئاسة اللجنة بقائد يمتلك الرؤية والرغبة نفسها في استئصال الفساد من جذوره التي باتت متأصلة في بعض القطاعات والإدارات.

تفاعل المواطنون وتفاءلوا بالموقف التاريخي لخادم الحرمين الشريفين الذي يؤصل ويؤسس لنهج طالما تطلع إليه المواطنون في تسيير الإدارة الحكومية وإدارة أعمالها بكل أمانة ونزاهة وصدق، هذا التوجه والتوجيه الكريم جاء بمثابة البلسم الذي سوف يعالج حدثاً كارثياً حزّ في النفوس وآلمها، ومما جعل الألم مضاعفاً، كون نتائج هذا الحدث مأساوية شنيعة كبيرة قياساً بالمسبب الذي يعد في حدوده الطبيعية.

وهنا يبدو جلياً واضحاً الفساد الإداري بأبشع صوره، إهمال وعدم مبالاة، تسيب وتضييع للأمانة، تراخ في أداء المهمات، وفي الوفاء بالواجبات والمسؤوليات، وتبعاً لهذه الصور البشعة كسا النفوس ران فأفسدها، وغدت بسببه مريضة لا تأبه لأحد وهي تمارس أدوارها وتدير أعمالها التي أتمنت عليها لتحقق سعادة الناس ورضاهم، والسعي في شؤونهم وفق أطر الصالح العام ومنافعه.

إن الذاكرة المجتمعية مليئة بصور محزنة شتى من صنوف الفساد الإداري والمالي، تعلم هذا وتدركه، لكن لسان حالها أمام هذه الصور اكتفى بترديد مقولة: (العين بصيرة واليد قصيرة)، العين ترى المفسد، وتتألم لإفساده وعبثه، لكنها لا تملك اليد التي تحاسب وتعاقب، لذا اكتفت بالحوقلة والانكفاء، وترك المفسد على حاله التي استمرأها، وهذا مما زاد من شراهة المفسدين ونهمهم في الفساد والإفساد.

ظهر الفساد بسبب اعتقاد خاطئ واهم لدى فئة مريضة من المتنفذين تظن أن الفساد أحد المداخل الأسرع للغنى والثراء، وكأن لسان حالها يردد:

عم الفساد وأصبحت طرق الغنى

وقفا على من يرتشي أو يعتدي

لاشك أن المرتشي يحصل على المال بسبب خيانته لما أؤتمن عليه وعدم خشيته من الله، وأن المعتدي على النظام المتجاوز له يحصل على المال بسبب موت ضميره وعدم خشيته من المحاسبة والمعاقبة، ولكن على ذوي هذه النفوس المريضة بحب الفساد وجمع المال بغير حق، أن تتذكر وتعلم أن لكل طريق نهاية، ونهاية هذا الطريق في الدنيا تتحقق بمثل هذا التوجه الكريم من لدن خادم الحرمين الشريفين، وهو يتمثل قول الشاعر:

إن الأساس لكل بان مصلح

هدم الفساد ودق رأس المفسد

أما في الآخرة فعلى محبي الفساد وجمع المال بتخطي الأنظمة والتعدي عليها أن يراجعوا أنفسهم ويقفوا مع قول الله تعالى: ?وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّ وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ? (161) سورة آل عمران.

إن طريق محاربة الفساد طويلة، لكنها سوف تقصر أمام الإرادة الملكية الكريمة الحازمة بإذن الله، وعلى كل راع أن يراعي الله فيما تحمل أمانته، وألا يدع للشيطان مداخل لإفساده، وأن يعلم علم اليقين أن يد العدالة سوف تطاله في الدنيا أم في الآخرة.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد