Al Jazirah NewsPaper Sunday  06/12/2009 G Issue 13583
الأحد 19 ذو الحجة 1430   العدد  13583
المنشود
كارثة جدة.. وقميص عثمان!!
رقية سليمان الهويريني

 

لا أحسب أن أحداً لم يتألم لما جرى لأهلنا في جدة من جراء نزول الأمطار الغزيرة؛ ما جعل كل شخص يحمِّل المسؤولية جهات ومسؤولين دون إدراك للأسباب الحقيقية.

وقد اطلعت على كثير من المقالات الشاجبة والتقارير الساخطة، فضلاً عن الأصوات الصامتة الممتعضة والعَبَرات المخنوقة والقلوب المكلومة.

وفي خضم ذلك اطلعتُ أيضاً على تقرير موضوعي للأستاذ سامي الشمراني، يوضح تأثير ثلاثة عوامل على تصريف السيول لأي مدينة، أحدها طبوغرافية المدينة، والآخر التخطيط العمراني لمسارات السيول الطبيعية، والثالث البنية التحتية.

ومعروف أن جدة تمتد شمالاً وجنوباً، وتحدها الجبال شرقاً والبحر الأحمر غرباً؛ ما يعني أنها بالأصل وادٍ ومجرى للسيول التي تهطل على الجبال فتتجه إلى البحر. ولهذه السيول عدة مسارات لتصل إلى البحر:

أولها القادم من الجهة الشرقية، حيث يصطدم بالخط السريع في منطقة قويزة بالتحديد؛ كونها المنفذ الوحيد للسيل هناك، إضافة إلى جامعة الملك عبدالعزيز وحي السلمانية اللذين تم إنشاؤهما في منطقة منخفضة ومكان لتجمع السيول.

المسار الثاني القادم من الجهة الجنوبية خلف مشروع إسكان الأمير فواز عبر مجرى خرساني مرورا بمحاذاة مشروع الإسكان العاجل. ويلتقي مسار السيل الأول مع الثاني في منطقة حي الوزيرية، وهنا تكمن خطورة هذا المسار على الأحياء المتاخمة له والواقعة ضمن نطاق الأودية في مشروع الأمير فواز. ولأن طبيعة تدفق المياه تخضع لنظرية المرونة (كلما كان مسار الماء مرنا أُمكن التحكُّم في حركة المياه)؛ فعند التقاء المسارين وتشكيلهما زاوية قائمة حصلت الكارثة؛ حيث أصبح منسوب المياه أكثر من حجم المسار. والوضع الطبيعي أن يمر المساران بمجرييهما دون التقاء؛ فيمر أحدهما بحي الوزيرية باتجاه بحيرة الأربعين. والساكن هناك يرى آثار مجرى قديم للسيل خلف الحي، ومَنْ تجاوز عمره الخمسين يذكر مروره بوادي غليل وانصبابه في بحيرة الأربعين. وعند إنشاء الأحياء السكنية الجديدة أُلغي المسار الطبيعي للسيل، وتم تجاهله، وحين سقطت الأمطار الأخيرة تبعت المياه حركتها الطبيعية تبعا لنظرية المرونة الخاصة بها، وتجاهلت الأحياء السكنية، وهو ما سبَّب الكارثة.

المسار الثالث القادم من شرق الخط السريع في منتصف جدة حيث يمر بمحاذاة هذا الخط ويقطعه باتجاه الشمال الغربي مرورا بحي الرحاب، ويلتقي مع المسار الرابع في حي الصفا، ويكمل المساران الطريق نحو الغرب بمحاذاة طريق الأمير محمد بن عبدالعزيز (التحلية). إلا أن هذا المسار يتوقف قبل الوصول إلى البحر بسبب ردم المنطقة التي كانت جزءا من البحر، وقد تم تجاهل مسار مجاري السيول؛ فأصبحت راكدة لفترات زمنية طويلة؛ ما أدى إلى انتشار البعوض وتجمع الذباب والجراثيم والبكتريا في الهواء، وهو ما جعل جدة تصنَّف على أنها أكبر المدن تلوُّثاً على مستوى العالم.

وذاكرة السيول لا تخطيء أبداً، وسوء التعامل معها هو ما تسبَّب في حصول الكارثة؛ حيث لم يتم احترام تلك الذاكرة بصورة صحيحة عند الردم الجائر للبحر لإقامة أحياء سكنية، فضلاً عن تجاهل التصريف الصحي وتصريف الأمطار، وعدم مراعاة تضاريس هذه المدينة؛ فتجميع الصرف الصحي في بحيرة المسك وسط منطقة جبلية يهدد استقرار المدينة صحياً واجتماعياً واقتصادياً، والمتوقع فيضان مياهها الملوثة أي وقت، وهو ما سيشكِّل كارثة أخرى فضلاً عن كارثة الأمطار!

ويعدُّ قرار زيادة الأدوار السكنية في مدينة جدة دون توفير البنية التحتية المناسبة لعدد السكان تهديداً قادماً؛ لأنه سيؤدي إلى الضغط على الخدمات الحالية، فضلاً عن الأنفاق المنفذة في جدة التي لا تناسب طبيعتها؛ كونها أصبحت تشكِّل مصيدة لاضطرار السيول للاتجاه إليها بعد إغلاق منافذها والتضييق عليها.

ويتضح أن ما حصل لجدة بسبب عدم الوعي بطبيعة المنطقة ومدى ملاءمتها لاستيعاب هذا العدد الهائل من السكان والاستخفاف بقوة السيول وذاكرتها، وهو ما يمكن أن يحصل لغيرها.

فمَنْ المسؤول؟

www.rogaia.net


rogaia143@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد