قراءة التاريخ حتماً ليست للتسلية وتقضية الوقت، فقراءة التاريخ للذين يفهمون، دراسة، وتعلم الاستفادة مما فعله الآخرون، أفعالاً أوصلت بلدانهم إلى بر الأمان، وأفعالاً أخرى هوت بدول إلى الحضيض وبعضها اختفت من على الخارطة الجغرافية.
أخطاء يجب أن تدرس بتمعن لاستخلاص العبر للاستفادة من مواجهة الأزمات وقيادة الدول والمجتمعات قيادة رشيدة تتوافق مع أمانة المسؤولية، خصوصاً بالنسبة للحكام ومن تؤول إليهم مصائر الشعوب.
آخر الدروس التي يجب ألا تغيب عن ذاكرة حكام المنطقة ما حصل في العراق في آخر أعوام حكم الرئيس صدام حسين.
صحيح أن نظام صدام حسين حوصر بعقوبات عديدة، وأنه تعرض لغزو خارجي وعدوان عسكري من قبل أعتى القوى العسكرية المعاصرة، إلا أن الذي يجب تذكره، هو (مناطحة) نظام صدام حسين للعالم، وارتكابه عدة أخطاء أكثر فداحة هو غزو واحتلال دولة الكويت، الخطأ الذي فتح الباب لسلسلة أخطاء أوصلت العراق إلى الحالة الراهنة التي تهدد بإلغاء دولة اسمها العراق، فالأكراد على وشك إعلان انفصالهم، وهناك محاولات لفصل أجزاء أخرى في الجنوب وحتى الوسط مع احتمال اقتطاع (جيب) للتركمان.. فالعراق اليوم مرشح أن يصبح أربعة عراقات.
وإذا كانت المقدمات التي شهدناها قد أوصلت العراق إلى النهائيات التي لا تزال خياراتها مفتوحة، ولهذا فإن المتمعنين والقارئين بفهم للتاريخ يرون الآن أن نفس المقدمات التي ارتكبها النظام العراقي السابق، يكررها الآن النظام الإيراني الحالي، بل يرون أن ما يحدث في إيران أكثر فوضى وأكثر إصراراً على مناطحة المجتمع الدولي، فنظام صدام حسين وحتى قبل احتلال العراق كان نظاماً متماسكاً ونظاماً يرأسه رئيس كلمته مهابة من جميع مؤسسات حكومته ولديه حكومة متماسكة ومؤسسات رسمية، بمعنى أن العراق ظل يتعامل مع الآخرين كدولة وبغض النظر عن أخطائه والخلاف مع ما كان يطرحه، إلا أن الأسرة الدولية تعرف ماذا يريد، وإن كان جورج بوش وحليفه بلير قد حبكا مؤامرة دولية للقضاء على ذلك النظام وتدمير العراق.
أما في إيران الآن فالفوضى منتشرة في كل مكان، لا أحد يعرف من الذي يحكم إيران.. مرشد الثورة، رئيس الجمهورية، الحرس الثوري..؟! من أين يصدر القرار.. من طهران من قم؟! ومن يصبغ هذا القرار.. هل هم حكومة أحمدي نجاد وهو، أم مستشارو مرشد الثورة، أم يطبخ في حوزة قم؟!
أسئلة تجعل المراقب الدولي حائراً لا يعرف كيف يقيم ما يجري في إيران، وتجعل المسؤول الدولي أكثر حيرة مع من يتعامل في إيران، مع المرشد أم مع رئيس الدولة.. أم مع الحكومة، أو ضباط الحرس الثوري أو المرجعيات والمستشارين..؟!
jaser@al-jazirah.com.sa