(قمر) فتاة طموحه.. لمّاحة.. حاضرة الذهن.. سريعة البديهة.
كانت تقضي جل وقتها في العمل... حريصة على منفعة الآخرين وتقديم العون لهم...
جميل فكرها وجميل ما تقدمه.. لكن الأيام دُولّ و.. وقد يغير الله الحال... تزوّجَت (قمر) ورزقت بأمل وبعدها خالد ثم عمر.. وضاق الوقت بما اتسع .. لم تكن (قمر) تتوقع أن تتغير اهتماماتها وأن يكون غير العمل وحب العطاء همّها... نعم إنها سنّة الله في خلقه.. إذا تغير الحال.. تغيّرت الأحوال.. ومرت الأيام وهي المرأة العاملة الملبّية لكل ما يطلب منها لكنها هي هـي أما القلب فليس هو... تقلّبت (قمر) من حال إلى حال ومن عالم إلى عالم.. ومازال قلبها فارغاً.. مم لا تدري؟!
تحب زوجها.. تحب أطفالها.. تحب عملها لكن هناك شيء ما ينقصها... شيء تريده ليحرك شغاف قلبها ويجعلها تتنفس الصعداء راحة وحباً... ما هو؟! وأين هو؟! لا تدري؟! ومرت بها الأيام والذهن ما زال شارداً...
في إحدى المرات طأطأت رأسها على طاولتها وهي منزعجة من موقف مر بها وسوء أدب بعض الناس... وهي تفكر أثناء ذلك لمحت كتاباً ليس كأي كتاب..، ثم حملتها الذكرى إلى أيامه وكيف كانت معه... تذكّرت كيف كانت تجتمع مع صاحباتها ليقرأنه معاً ويتفكّرن في معانيه.. يا الله.. تذكّرت تلك الأيام وتلكم الصاحبات إنهن غير.. والشوق لهن غير يا الله أي حب كان يجمعها بهن وأي أخوة تلك.. أطرقت برأسها لتقول بصوت مسموع: ... لم أجد مثلهن.. ما الذي تغير؟! التفتت إلى حقيبتها لحظة... إنها فارغة إلاّ من مساحيق تجميل وعطر.. يا الله.. يا قمر أين مصحفك الصغير الذي كنت تحملينه معك أينما ذهبت وتتلذذين بتلاوته وتطربين من يسمعك.. أين ذلك المصحف الصغير بردائه المخملي الأخضر الدافئ الذي يلفه... ياه ما أنعمه وما أطيب تلك الأيام وألذّها... تذكّرت صالات الانتظار والمستشفيات لم تكن تحمل هم الوقت وقلق الانتظار، فمصحفها معها تقلبه وتطرب قلبها بكلماته.. أين هو؟ أين ذلك المصحف.. همست: (ما الذي أبعدني عنه؟) تأملت كيف تغيرت حياتها... وذهبت تلك المتعة ونعيم الدنيا.. وأصبحت تهتم ويضيق صدرها من الناس.. وكلماتها تغيرت ونبرة صوتها احتدت فلم تعد تلك المعطاءة بل المحاسبة... تعمل للآخرين حساباً لا قدراً ويقلقها القيل والقال والمظاهر...
مرت سنوات عمرها سريعاً... وقد جربت كل شيء.. ورزقت بكل ما تتمناه أي بنت... لكن ما الذي أفقدها السعادة والمتعة التي كانت تشعر بها.. لحظات ثم انتفضت لصوت يناديها.. فاستعدت واقفة... لتسألها صاحبتها.. أين شردت؟.. سكتت في تأمّل ففي القلب ألم وانكسار، بعدها شعرت (قمر) أنّ الحياة بدأت تسري فيها من جديد.. ثم قالت: سأكون اليوم غير، سأصلّي سنّة الضحى الآن مثنى مثنى وسأحمل مصحفي، وعادت إلى ذلك المصحف على مكتبها ومسحت ما يعلوه من غبار بيدها.. وهي تحبس دمعها.. ثم وضعته على لبها قائلة: (آسفة .. الآن عرفت قدرك؟!) ثم فتحته لتقرأ آيتين كانت هذه المرة غير وذات طعم ما ألذّه؟!
أيام وليالي مرّت على أختنا بعد عودة صادقة لكتاب الله.... فعادت لتنقل تجربتها وهي من ذات الهموم.. تحمل همّها وهم الآخرين قائلة: اليوم خفّف الله عنّي... ما أجمل العودة إلى القرآن فبالقرآن نحيا.. تنفست ثم همست: أخبركم بأنّ لحياتي اليوم معنى آخر كلما طرقت باباً فتح لي على مصراعيه، الصعب بالأمس اليوم يسير.. والأجمل سامحت كل من أساء إليّ، لأنّ قلبي اليوم بالقرآن آخر يحب كل الناس حتى من أساءوا إليّ سامحتهم...
ثم قالت متأسفة لرمضانات ماضية وأيام فاضلة مرت خلال تلك السنين لم تستشعرها لكن العشر الفاضَلات مقبلات ثم ردّدت: سأكون بعد اليوم غير... سأكون بعد اليوم غير.. سأكون بعد اليوم غير.
** انتهى كلامها نسأل الله لها الثبات... نعم إنها الحياة الحقيقية التي ما نستطيعها إلا بعون الله وتوفيقه.. وهدي كتابه... (خِتَامُهُ مِسْكٌ، وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُون)... نسأل الله من فضله..
والآن هل في بيتك (مصحف)... عد إليه... حلّق في سمائه... فهو.. هو... لكن أنت ستكون غير و?َلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ? (17) سورة القمر.
هياء الدكان