كانت أخبار تكريمي كامرأة مبدعة شعرياً وأدبياً وإعلامياً في المشهد الثقافي العربي من قبل وزارة الثقافة الفلسطينية وطاقم شؤون المرأة مع عدد من مبدعات العالم العربي سبقت موافقة سلطات الاحتلال على منحي تصريح زيارة للأراضي الفلسطينية. كانت زيارة فلسطين حلماً عصياً وأملاً بعيداً جداً لما تفرضه سلطات الاحتلال من قيود ومن حصار مقيت، لذا فور تسلمي تصريح الزيارة لم أفكر بأي التزام أو أية مشقة أو حتى بالعيد القادم بعد أيام قليلة، الأمر الذي كنت أفكر فيه هو زيارة تلك الديار لأريح روحي المولعة بلقائها، الهائمة بتاريخها المقدس.. وقد سنحت لي الفرصة لأعود حيث تركت مني طفلة ذات زيارة تلهو على شواطئ يافا وحيفا، تبني قلاعا من رمل تلونها حمرة الغروب.. سأعود أعانق طفولتي وأمر على أطلال تلك الديار.. أعانق ما تركت فيها..
جسر العبور.. ولم أجد له تسمية تليق بكل العناء وكل الذي يمكن أن يجده العربي من إذلال.. بندقية الجندي الإسرائيلي تفغر فاها إليك وأنت واقف بانتظار إنهاء إجراءات الدخول لديار هي لك كعربي ومسلم، حاجاتك وأمتعتك وحذاؤك أيضاً تذهب لمكان آخر لتفتيشها، لا تملك أن تناقش أو تتذمر، أمل لقائك فلسطين هو ما يهون عليك بعض ما تجد.
أريحا.. المدينة الفلسطينية التي تعبر منها إلى بقية المدن هي أول محطة لي، (وين ع رام الله) هي ما يخطر ببالي وأنا متجهة مباشرة لقصر الثقافة أبدأ مع المبدعات اللاتي سبقن وصولي رحلة الشعر والإبداع.. نساء كنت التقيت معظمهن في أنحاء العالم.. المغرب..الجزائر.. فرنسا..الأردن.. ونساء ألتقيهن لأول مرة.. احتفاء كبير وبهجة لم يتسعها الكون، والشعر ولا شيء غيره تلك اللحظة أقدر من ترتيل مشاعر الروح وترجمة الموقف.
قرب ضريح محمود درويش يأتيني صوت أمي عبر الهاتف.. الريح التي وصلتها عبر سماعة الهاتف تداعب ذاكرتها وتنقل إليها المشهد فأشعر بحشرجات صوتها ودموع تحاول حبسها.. لحظتها أدرك قدسية الذاكرة التي تحتفظ بهذا الوطن في أقاصيها.
أربعة أيام.. من الحلم أو الحقيقة التي إلى اللحظة أحاول تصديقها.. تجوال في المدن الفلسطينية ما استطعنا.. جولة إلى جامعاتها لإلقاء ورقة نقدية أو أصبوحة شعرية.. إلى جامعة القدس التي منعنا الاحتلال من الوصول لقبة الصخرة والصلاة فيها والتي كان ما بيننا وبينها أمتار محدودة.. ثم إلى بيت لحم وجامعتها ومسجد عمر بن الخطاب رضي الله عنه وكنيسة المهد وبيت ساحور.. إلى نابلس وجامعتها ثم جنين.. الذاكرة تضج بما رأيت وشاهدت ولا يكفي العمر للبوح بما شعرت.. في النهاية.. شكراً سيدتي الثقافة التي حملتني على أجنحتك لأكون هناك.. شكراً وزارة الثقافة الفلسطينية ممثلة في معالي السيدة سهام البرغوثي وطاقم شئون المرأة الذي رشحني للتكريم مع نساء مبدعات سأظل أذكرهن ما حييت.. شكراً لليالي التي أضاءت السماء قناديلها لأتهجى شوارع رام الله وأحفظها عن ظهر قلب.. وسيظل مشهد قبة الصخرة الذي أنار كالشمس في حضن الليل مشهداً لن أنساه وقد أقسمت على ربوة مطلة عليه أن أعود للصلاة في رحاب المسجد الأقصى الذي باركه الله.
maysoonabubaker@yahoo.com