حينما تأتي الشجاعة في إصدار القرار من ملك عرف بصفة (ملك الإنسانية)، لا شك أنها تأتي مغلفة بالرحمة والرفق، ها هو خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز يصدر قراراً تاريخياً في رحلة الإصلاح الطويلة التي انتهجها -يحفظه الله-، منذ توليه سدة الحكم في (1 أغسطس 2005) وحتى اليوم في قرار تاريخي هام جداً له مضامين توضح بجلاء منهج خادم الحرمين الشريفين الذي عرف به، دعونا نستعرض بعض ما جاء في القرار الذي يمكن أن نحدد من خلاله عناوين واضحة أبرزها الشجاعة في الاعتراف بالخطأ والتقصير وهذه أبرز صفات خادم الحرمين الشريفين فقد اعترف سابقاً بوجود الفقر في أثرى بلد نفطي في العالم، واعترف بإهمال بعض المناطق وقلة حظها من التنمية ولا يرى -حفظه الله- في ذلك عيباً لأنه وضع الله نصب عينيه، ومن يضع الله أمامه لا تأخذه في الحق لومة لائم، يقول القرار (ولدينا الشجاعة الكافية للإفصاح عن ذلك والتصدي له بكل حزم)، ومن العناوين التي لا تخطئها العقول المنصفة الرأفة والشدة في اتخاذ القرار، الرأفة بالغرقى الشهداء، الذين لا ذنب لهم إلا أنهم مساكين التهمتم بطون الهوامير قبل أن تلتهمهم بطون الأودية، ها هو خادم الحرمين يعاملهم بنظرة إنسانية حينما يقرر مبلغ مليون ريال تعويضاً لأسر الشهداء، ويكفي أن القرار التاريخي ملحمة في الحزن على الأبناء والممتلكات، ويكفينا رحمة أيضاً أن يقرر الملك مسؤوليته المباشرة عن هؤلاء الشهداء والمتضررين حينما يقول:
(فهؤلاء المواطنون والمقيمون أمانة في أعناقنا وفي ذمتنا، نقول ذلك صدقاً مع الله قبل كل شيء، ثم تقريراً للواجب الشرعي والنظامي، وتحمل تبعاته، مستصحبين في ذلك تبرؤ النبي صلى الله عليه وسلم من صنيع بعض أصحابه فيما ندبهم إليه)، أما الشدة التي صاحبت القرار فتكمن في عبارة (كائناً من كان) هذه العبارة الرائعة التي كانت سبب تخوف كثير من المراقبين ذلك أن (الهوامير) درجات والكل يخشى أن تذهب حقوق هؤلاء المساكين أدراج الرياح، فكان القرار كالبلسم الشافي على القلوب، اقرؤوا جيداً نص القرار (فإنه من المتعين علينا شرعاً التصدي لهذا الأمر وتحديد المسؤولية فيه والمسؤولين عنه -جهات وأشخاصاً- ومحاسبة كل مقصر أو متهاون بكل حزم دون أن تأخذنا في ذلك لومة لائم تجاه من يثبت إخلاله بالأمانة، والمسؤولية الملقاة عليه والثقة المناطة به، آخذاً في الاعتبار مسؤولية الجهات المعنية كل فيما يخصه أمام الله تعالى، ثم أمامنا عن حسن أدائها لمهماتها ومسؤولياتها، والوفاء بواجباتها، مدركين أنه لا يمكن إغفال أن هناك أخطاء أو تقصيراً).أما العناوين الأخرى البارزة في هذا القرار التاريخي والذي يشكل منهج عمل واضح فهي المتابعة الجادة من خادم الحرمين الشريفين بنفسه لكل المشاريع التي تكلف بها الجهات الحكومية، لقد كان يحفظه الله على اتصال دائم ومستمر قبل وقوع الكارثة وبعد وقوعها استشعاراً لمسؤوليته المباشرة أمام الله عن كل صغيرة وكبيرة، وهذا ما يجعل بقية المسؤولين في حرج إذا ما وقعت مثل هذه الأخطاء الكارثية، فما هو عذرهم والملك يتابع ويتصل بنفسه؟.
(وكنا على اتصال مع المسؤولين المعنيين بمتابعة هذا الأمر أولاً بأول واتخاذ ما يلزم من إجراءات في حينه)!
ومن أبرز ما جاء في ثنايا القرار التاريخي أن بعض تصريحات المسؤولين -غير المبررة- لا تنطلي على أصحاب العقول، حينما يقال إن معدلات الأمطار كانت فوق المعدل المتوقع، يتحدث خادم الحرمين الشريفين بكل تلقائية وشفافية ويقول:
(وإنه ليحز في النفس ويؤلمها أن هذه الفاجعة لم تأت تبعاً لكارثة غير معتادة على نحو ما نتابعه ونشاهده كالأعاصير والفيضانات الخارجة وتداعياتها عن نطاق الإرادة والسيطرة في حين أن هذه الفاجعة نتجت عن أمطار لا يمكن وصفها بالكارثية. وإن من المؤسف له أن مثل هذه الأمطار بمعدلاتها هذه تسقط بشكل شبه يومي على العديد من الدول المتقدمة وغيرها ومنها ما هو أقل من المملكة في الإمكانات والقدرات ولا ينتج عنها خسائر وأضرار مفجعة على نحو ما شهدناه في محافظة جدة).
بقي أن نقول إن هذا القرار هو منهج عمل بكل ما تحمله الكلمة من مضامين، ودعواتنا لخادم الحرمين الشريفين بموفور الصحة والعافية، فهو رجل تفاعلي يرصد أحداث الساعة ونبض الشارع، ويحاسب المقصرين (كائناً من كان)، بقي أن نقول إن ذمة خادم الحرمين الشريفين برأت حينما اعترف بالتقصير وعالج الموقف بكل حزم وسرعة، وانتقلت الأمانة الجسيمة للجنة مباركة يرأسها صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل (أمير منطقة مكة المكرمة)، بما عرف عنه من حزم ومتابعة ونحن ننتظر ما ستسفر عنه هذه اللجنة، فأعناق الشعب وأعينه تترقب محاسبة جادة لا تفرق بين الصغير والكبير، ونذكر هذه اللجنة الموقرة بمقولة خادم الحرمين الشريفين في قراره التاريخي (على اللجنة الرفع لنا بما تتوصل إليه من تحقيقات ونتائج وتوصيات بشكل عاجل جداً، وعليها الجد والمثابرة في عملها بما تبرأ به الذمة أمام الله عز وجل، وهي من ذمتنا لذمتهم، مستشعرة عظم المسؤولية وجسامة الخطب).
أعانهم الله فالمسؤولية جسيمة والأمانة ثقيلة.