Al Jazirah NewsPaper Wednesday  02/12/2009 G Issue 13579
الاربعاء 15 ذو الحجة 1430   العدد  13579
الأمر الملكي التاريخي (خارطة طريق) لليوم والغد
حمد بن عبدالله القاضي

 

لم يقلص من حجم الألم لدى أبناء مدينة جدة تحديداً وأبناء المملكة عموماً إلا ذلك الأمر الوطني التاريخي الذي أصدره خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز بالمهام الست الذي اشتمل عليها الأمر الكريم.

هذا الأمر بل القرار الملكي الوطني كان (بلسما) قلّص آثار تلك المأساة الإنسانية بكل تداعياتها وشهدائها والممتلكات التي فقدت فيها والدور التي تهاوت على ساكنيها.

هذا الأمر الملكي لم يكن تنظيريا، بل إنه رسم (خارطة طريق) عاجلة وآجلة لمعالجة الخلل ومحاسبة المقصر ومكافحة الفساد، فضلا عن أنه ذو لمسات إنسانية من ملك الإنسانية بإعطاء عائلة كل شهيد مليون ريال وتعويض الخسائر التي طالت ممتلكات المواطنين.

***

إن قراءة هذا الأمر الذي تحس وأنت تتأمله أن ملك هذا الوطن شعر بالألم أكثر من غيره بوصفه حاكما مسؤولا وبوصفه إنسانا، وعندما تقرأ هذا البيان تجد أن أول بعد استند إليه خادم الحرمين الشريفين هو (البعد الديني)، فقد رأى -كما نص الأمر الذي صيغ بعناية ودقة- أن العمل أمانة تحملها كما تحملها المسؤولون التنفيذيون، وعليهم أن يؤدوا مهام العمل بكل أمانة، بل إن الأمر خاطب أعضاء اللجنة بقوله (أنه من ذمته إلى ذمتهم) وفي موقع آخر في الأمر وجه اللجنة بإصدار قرارات تبرأ بها الذمة، ومن المنطلق الديني ذاته في محاسبة المقصر أورد البيان أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- تبرأ من بعض أصحابه الذين ندبهم ولم يتموا عملهم على الوجه الأكمل.

***

والبعد الثاني بالقرار جاء من استشعار الملك عبدالله في أمره الكريم أنه مسؤول أمام المواطن والمقيم ولا يرضى بأي ضرر يقع على أحد، ومن هنا فهو سيتابع كل تقصير، ولن تأخذه لومة لائم عند حصول أي خلل مقصود.

***

لقد كان هذا الأمر حديث أبناء الوطن من ملك عودهم على الصراحة، فقد استغرب الملك عبدالله ما حدث في جدة من منطلق أن ذلك لم يحدث بسبب فيضانات أو بركان أو نحوه، بل هو نتيجة مطر ينزل على مدن العالم، ولم يحصل لهم ما حصل في جدة؛ فمعنى هذا أن هناك تقصيرا وخللا لابد أن يعالج وبقوة وحزم دون أن يخشى أحد في الحق لومة لائم، ثم لو قرأنا أسماء أعضاء اللجنة التي تم تشكيلها تجدها تكونت من أسماء فاعلة لها مهامها الرقابية والتحقيقية بدءاً من سمو أمير منطقة مكة المكرمة ومعالي رئيس هيئة الرقابة والتحقيق ومدير عام الدفاع المدني ومسؤولي المباحث والاستخبارات ومسؤولين آخرين والملك -حفظه الله- طلب من هذه اللجنة استدعاء من تراه كائنا من كان -كما جاء بنص الأمر التاريخي- بل والرفع إليه -حفظه الله- عمن يتخاذل أو لا يستجيب بإعطاء معلومة تفيد في موضوع التحقيق في مأساة سيول جدة، وفي آخر الأمر نص على رفع ما تتوصل إليه اللجنة فورا.

***

الملك عبدالله في قراره التاريخي الذي استند فيه إلى شرع ربه في مكافأة المحسن ومحاسبة المخطئ، وعلى أنظمة بلاده التي صدرت لإقرار الحق والعدل بدءا من نظام الحكم إلى نظام المشتريات فضلا عن استشعاره -حفظه الله- لأمانة الحكم، وحرصه على كل ما يرفع الضرر..إن هذا الأمر نبع من تألمه كقائد رأى القصور أو التقصير وهو يعرف ما تصرفه الدولة على المشروعات، وقد خاطب الوزراء -رعاه الله- عند إقرار إحدى الميزانيات مؤكدا أنه لا عذر لهم؛ فالأموال قد اعتمدت لمشروعاتهم وعليهم وعلى المسؤولين لديهم واجب تنفيذها.

***

وبعد.. لعل في محنة جدة منحة، ولعل ما أصابها من أضرار هو بداية لتعافيها وتعافي مشروعاتها، بل لعل في ذلك خيرا لجميع مدن ومحافظات هذا الوطن.

***

إنني أجزم أن كل مسؤول تنفيذي سيرى ويدرك بعد تأمله وقراءته لهذا الأمر أن الرسالة الملكية وصلته؛ فهذا الأمر ببنوده العملية والرقابية لن يعالج مشكلة جدة الحالية فقط، بل هو معالجة لكل المشكلات المماثلة في أنحاء الوطن، وذلك بما حمله من بنود ومهام بالغة الأهمية من شأنها -إن شاء الله- أن تحمي النزاهة وتحاسب المقصر، وتجعل ما تنفقه الحكومة يذهب في طريقه الصحيح (وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ).




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد