Al Jazirah NewsPaper Wednesday  02/12/2009 G Issue 13579
الاربعاء 15 ذو الحجة 1430   العدد  13579
الفنان السعودي لـ (جدة): لا بكاء على الغرقى
محمد يحيى القحطاني

 

أتساءل رغم أنفي وأنتم معي عن إذا كان أكثر من مائة (بريء) ماتوا غرقاً في جدة أهم وأجدر بنا أن نحزن عليهم أم أن ضحايا العدوان الإسرائيلي على غزة هم الأولى بالحزن..

لست هنا سوى متحسر تماماً على تفاعل (غبي) من الفنانين السعوديين الذين تسابقوا السنة الماضية وما قبلها وألغوا حفلاتهم الغنائية تضامناً مع أهالي غزة وألغيت مهرجانات وتوقفت الدنيا حتى سكتت آخر رصاصة فيما ليلة أمس الأول والبارحة والليلة وغداً يطير فنانون سعوديون يجولون العواصم ويحيون ليالي العيد بالصوت والرقص منذ منتصف الليل وحتى يستقيم النهار.

لست هنا مزايدا على جراح أهالي جدة، لكنها أسئلة شرعها الله لي أن أطرحها، وعلى يقين بأنها طرأت على بال أحدكم وآخرين من الزملاء كتبوها، وبظني أن الزملاء الفنانين يرون بأن أي (نازلة) على مسلم خارج حدود الوطن تستحق التوقف، أما ما يحدث داخل نسيجنا فهو (طبيعي) ولا يستحق كل هذا التصعيد.

لا موقف عندي من تفاعل جماعي أو فردي مع أشقائنا في الخارج ولكن لا يجب أبداً أن يكون على حساب أبنائنا؛ فخيرنا يجب أن يكون لأهل بيتنا ثم نعطي ما يفيض لمن احتاج.

روتانا سبقت الجميع وأصدرت بيانات وملأت الدنيا تصاريح حين حرب (غزة) لكنها اليوم استمرت في تنظيم حفلات العيد في القاهرة وبيروت وكأن مائة مواطن سعودي ذهبوا (غرقاً) لا يجب أن يلتفت إليهم، حتى الفنانين الخليجيين والعرب لم يكن بينهم رجل رشيد.

نحن نواصل فعل ما يجعلنا حصالات متحركة نتفاعل مع الآخرين رغم أنوفنا فيما نحن أنفسنا لا نتفاعل مع أنفسنا، ونسي فنانون سعوديون أشعلوا فنادق بيروت والقاهرة أن حفلاتهم في جدة شهدت تدفقاً جماهيرياً كبيراً وطالما تغنى هؤلاء الفنانون بحبهم لجدة ولأهلها وجمهورها وغنوا لها في (الرخاء) وتخلوا عنها حين داهمها الماء، وإني أكتب ما أكتب اليوم غضباً وأرجو أن يغضبوا مني ومعهم من يؤيدهم من الجمهور.

الزميل الحبيب محمد الرشيدي تساءل أمس الأول عن (برود) الفنانين السعوديين في الأحداث التي تشهدها السعودية، وأنا أتساءل عن الضمير والمسؤولية، ولا أطعن أبداً في وطنية أحد، بل أزكيها وأثق بها، لكنني أشجب هذا الموقف الذي كانت اللامبالاة وفجع المال والشهرة عنوانه الرئيس في وقتٍ ما زال البحث جاريا عن ضحايا جدد لأربعاء مظلم خيَّم على جدة التي أحبها السعوديون وجعلوها منارة للتقدم والازدهار.

المشكلة أن الجمهور ينسى باكراً، ويتقبل من الفنان ما لا يتقبله من أقرب الناس له لأنه في نظره (قدوة) ولا يفعل إلا الصحيح، ومثلما امتلأت الصحف بأحداث مطر جدة تغطية ومتابعة واتهامات وتكهنات وانفرادات ومقالات ستهدأ العاصفة وستشرق غداً شمس جديدة، ونسي (أغلبنا) أن بين ظهرانينا أناسا لم يحركوا ساكناً وكانوا (سلبيين) هنا وإيجابيين هناك، ومثلما كان زامر الحي لا يطرب، فإن غريق الحي أيضاً لا يُبكى عليه.

مقالي اليوم ليس مرافعة ضد أحد ولا تهييجاً على أحد لكنها تساؤلات وآراء أطرحها دوما مراوغة ولا تزييف، وسؤال يبكي على طرف لساني منذ عدة أيام: ألا تستحق أرواح أكثر من مائة غريق وقفة تأبين.

أحاول (أحياناً) أن أكون كلاسيكياً أحوم حول الحمى ولا أهاجم أحداً وأكتب اللون الوردي. لكنني أجد نفسي مجبر على العودة إلى الواقع بتسمية الأشياء بحقيقتها وفي هذا الموقف بالذات لا يمكن أن يهدأ الواحد منَّا حين يرى الآخرين يتماهون في أحزان العرب وكأننا أجزاء من الأرصفة لا بكاء عليها.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد