الأربعاء الأسود في تاريخ مدينة جدة وفي تاريخ أمانتها الموقرة -تخطيطاً وإشرافاً- يقودنا إلى أن نعرف أن شرق جدة محاط بجبال تنزل منها الوديان المتجهة إلى البحر، وما لم تكن طرق هذه الوديان ميسرة فإن هناك ضرراً سيقع آجلاً أو عاجلاً. في هذه الوديان أقام الإقطاعيون مخططاتهم محملين المسؤولية على أمانة جدة ووزارة البلديات في اعتماد هذه المخططات دون أدنى تفكير بالأخطار التي من الممكن أن تنتج من هذا الاعتماد؛ فالثمن المقبوض والأجر على الله، وكأن الذي سيقيم بهذه المساكن المستقبلية قطعان من البهائم وليسوا مواطنين مسلمين حياة واحدٍ منهم كفيلة بأن تقام لها المحاكم، فما بالكم بأكثر من مائة فرد مسلم، لنا أن نفكر ويشاركنا ولي الأمر بهذا التفكير وطرح سؤال مهم وجوهري: أين ذهبت المليارات التي صرفت على أمانة جدة كميزانيات منذ ثلاثين سنة حتى الآن؟ أذهبت لمجسمات الدراجة والهندسة ومجموعة الأحجار الملونة؟!.. سؤال يجب أن يجيب عنه من تولى أمانة مدينة جدة منذ الطفرة الأولى وحتى وقتنا الحاضر، سؤال آخر يجب أن يطرح على المقاولين الذين نفذوا هذا الفتات من المشاريع التي لا تتناسب والأرقام الفلكية التي صرفت عليها، والسؤال: كيف نفذت هذه المشاريع والتي هي عبارة عن (قص) و (لصق) من دول أخرى!
رسالة لولاة الأمر -حفظهم الله- بأنه آن الأوان لإعادة النظر في أسلوب طرح المنافسات، وفي أسلوب الإشراف عليها، وفي أسلوب استلامها بديلاً عن النظام العتيق الذي ينم عن (استغباء)، ولن أقول عن (غباء) لأنه معروف لدى الجميع وخصوصاً بعد كارثة الأربعاء الأسود أن هذا ضحك على الدولة ونهب لثرواتها، وإلا : كيف الجهة التي تقوم بالترسية هي نفسها التي تقوم بالإشراف، وهي أيضاً من يستلم المشروع والتأكيد على أنه مطابق للمواصفات.
نناشدكم أن يتم إعادة النظر في هذا الأمر وعلى كل المستويات وفي كل المشاريع من الإنشاءات والجسور والأنفاق والمباني الحكومية إلى مشاريع المجاري والسفلتة والمدارس، فلو تم تشكيل لجنة حيادية تراجع هذه المشاريع ومدى مطابقتها للعقود والمواصفات لاتضح الشق الذي لا يمكن أن يُرتق إلا بحل جذري ونظام صارم وعقوبات فاضحة لكل من تسول له نفسه غش دولته وشعبها، وفي هذه المناسبة يلح على ذهني سؤال: لماذا ندعي حب بلدنا في كل مناسبة ونحن نتحين كل فرصة مهما كانت صغيرة لاستغلاله ونهب ثرواته بطريقة أو بأخرى؟ وكارثة الأربعاء الأسود خير شاهد ودليل؟
في بلدنا أكثر من مئة نفس مسلمة ذهبت ضحية الضمير النائم، ذهبت ضحية مصالح شخصية تم تفضيلها على مصلحة بلدنا، ما حصل في الأربعاء الأسود إنذار عاجل وشديد اللهجة لأمانة جدة والقطاعات الأخرى المسئولة بأنه قد يخفي المستقبل ما هو أشد ما لم نشد المئزر ونقضي على الفساد قبل أن يكمل الكرسي دورته على هذا المسئول أو ذاك!
بعيداً عن الدخول في ضمائر هؤلاء ولا كيف سيقابلون ربهم غداً، فإن ما نريده أن تقف الأنظمة الصارمة لردع الفساد ليرتدع من يأتي بعدهم قبل أن يأخذ نصيبه من الكعكة ثم يمضي مودعاً بالحفاوة والتكريم.
www.salmogren.net