منذ أن طرد مذموماً مخذولاً من رحمة الله، وهو يستغل كل مساحات الوقت التي هيأت ليستفزز بصوته ورجله وكامل طاقاته كل مريض في قلبه وسقيم في روحه، ولا يزال الرجيم يزين للغاوين ويمنيهم ويعدهم بالمال والمكانة والسلطة،
وربما تمادى مع بعضهم ووعدهم بالخلود والبقاء، وغيب عنهم حال ما تصير إليه كل الأمور في هذه الدنيا، مستخدماً أساليبه المعروفة نفسها التي لم تتغير على مر العصور، فأقبل عليه واستجاب لوعوده ومغرياته أصحاب الهوى، الحالمون بربح سريع ترسم تفاصيله ومداه نفوس عبدت هواها، فاصطادتهم شياطينهم وسولت لهم ما يتوافق ويرضي ضلالاتهم.
هذا المشهد الذي يرتكز على محاوره الثلاثة، إبليس ووعوده وما يمنيه من جانب، ونفوس غابت عنها سكينتها، وتحكم فيها هواها من جانب آخر، وما بينهما الأحلام والأمنيات بالمال والمكانة، مشهد يتكرر دائماً وإن تغير الناس وتغير الزمان والمكان، فما تقاتل الناس وتباعدوا أو تقاربوا، وما باع إنسان نفسه وتجاهل قيمه وإنسانيته إلا في إطار وحدود هذه المحاور، على أن المنطق لا يستغرب أن يبيع أحمق آخرته ويشتري دنياه، ويصدق ما يعد به له حلم بكسب وقتي غير دائم ولا ثابت على كسب دائم يفوق ما يتحقق له في هذه الدنيا أن يُحقق مكسباً له بغض النظر عن اختلافنا أو اتفاقنا على هذا المكسب.
ما يستغربه المنطق، أن يبيع أحدهم آخرته ويخسرها عن سبق إصرار وترصد، لا ليكسب دنياه، أو يحقق منافع ومكاسب وإن كانت صغيرة لا تدوم، وإنما يبيع آخرته ليكسب غيره دنياه، فتتحقق المكاسب لغيره، ويبقى هذا الأحمق وقد خسر الدنيا والآخرة، ولا أجد غير أن أقول أن الحماقة أعيت من يداويها.. والله المستعان.
naderalkalbani@hotmail.com