لن أتحدث عن تجربة شخصية حتى وإن كانت مؤلمة حتى لا يُفهم مقالي على نحو مختلف لما هو موجه له، بل سأتحدث عن واقع الحال في وصف هذه المؤسسة العملاقة..
مؤسسة الخطوط الجوية العربية السعودية التي يُفترض لها بما تتمتع به من حظوة غير عادية لدى جميع أجهزة الدولة من خلال الدعم والمساندة المتمثل في إحدى صوره بتأمين جزء من إيراداتها عبر فرض شراء تذاكرها، يُفترض لها أن تتقدم على كبرى شركات النقل في العالم.. إلا أن ذلك لم يحدث ولن يحدث إطلاقاً طالما لا يُوجد ما يشير إلى تغيير الثقافة الحالية الموجودة لدى العاملين فيها على جميع مستوياتهم.
درجة الضيافة - وهي اسم على غير مسمى - والتي تكاد تكون أقرب إلى حافلات النقل العشوائية التي تجوب شوارع كبرى المدن لدينا بمخالفاتها وطريقة سيرها وأسلوب تنظيمها وثقافة قائديها.. فمعاناة مستخدمي هذه الدرجة لا تنتهي من سوء تعامل منذ أن يُقدر لهم أن يقرروا السفر على هذه الدرجة وحتى لحظة وداعهم إن كان هناك ثمة وداع.. طبعاً أنا أتحدث عن ركاب درجة الضيافة فقط، فركاب درجتي رجال الأعمال والأولى لا ينالهم من سوء المعاملة وتردي الخدمة نصيب سوى اشتراكهم مع من يستخدم درجة الضيافة في تأخُّر الإقلاع وما يتبعه من ارتفاع درجة الحرارة داخل الطائرة حيث أصبح التأخُّر في الإقلاع هو القاعدة.. وانضباطية الوقت هو الشاذ لدى هذه المؤسسة العملاقة.
حينما يقرر أحدهم السفر، غالباً ما تكون مقاعد درجتي رجال الأعمال والأولى قد تم حجزها بالكامل حتى لو جاءت محاولات الحجز قبل وقت طويل، ما يضطر المسافر إلى اللجوء لحجز مقعد على ما يُسمى بدرجة الضيافة التي ابتدعت لها المؤسسة نظاماً جديداً به من الدرجات ما لا يفهمه أحد، وطريقة توزيعها لا تخلو من الغموض حيث تتراوح أسعار تلك الدرجات ابتداءً من السعر الأصلي للتذكرة والذي يُعد أمر الحصول عليه من ضروب الخيال، وحتى سعر يكاد يكون موازياً لسعر درجة الأفق.. وهذه خطوة ذكية من الخطوط لضبط عملية الحجز المسبق، ولكن ما يحدث هو أن ذلك النظام قد تحول إلى طريقة أخرى لزيادة إيرادات المؤسسة عبر إرغام الراكب بشراء تذكرة بسعر مرتفع جداً.
يضطر المسافر مرغماً لدفع قيمة التذكرة تلك وينشد بل يتوقع أن يحصل على أقل حق من حقوقه كاعتبار إنسانيته في التعامل من قبل الطاقم الأرضي والجوي.. بعض المسافرين يرغب في موقع معين لجلوسه لظروف معينة صحية أو نفسية كأن يكون مصاباً بأحد أنواع الرهاب ما يجبره على عدم الجلوس بين راكبين في مقاعد ضيقة المساحة فيطلب مقعداً مجاوراً للممر أو قريباً من النافذة ويفيده موظف إصدار بطاقات الصعود للطائرة بأن ذلك غير ممكن أو غير متاح، ثم يفاجأ بأن نصف المقاعد في الطائرة شاغر.. بل يحدث ذلك أيضاً لدى رغبة الراكب باستخدام درجة رجال الأعمال أو الأولى، ويتعذر عليه ذلك من خلال عدم وجود مقاعد شاغرة، بينما الواقع يقول إن نصف المقاعد بها ركاب والنصف الآخر يشغله ملاحو تلك المؤسسة العملاقة.
يصعد مرغماً ويتجه لمقعده وينهره أو تنهره في منتصف المسافة بين باب الطائرة ومقعده أحد أو إحدى ملاحي الرحلة مطالباً إياه ببطاقة صعود الطائرة للتأكد من رقم مقعده وتومئ إليه في حركة لا تخلو من الاستهزاء والمهانة بموقع مقعده على الرحلة، وعلى الراكب أن يضع معطفه على ركبتيه لأن خدمة حفظ المعاطف غير متوفرة على هذه الدرجة وعليه أن يصبر على ارتفاع درجة الحرارة داخل المقصورة وهو الأمر الذي يُعتبر من وعثاء السفر الذي أشار إليه نبي الرحمة عليه الصلاة والسلام في دعاء السفر الذي تتبنى إذاعته تلك المؤسسة العظيمة على جميع رحلاتها.. عليه أن يحتسب إن مرت بجانبه عربة الصحف بسرعة تفوق سرعة الطائرة ذاتها حتى تنفد كمية الصحف القليلة من عليها.. عليه أن يتقوى بالحلم والسكينة حينما يتم رمي المنديل المعطر عليه في منظر غير حضاري إطلاقاً.. عليه أن يتحلى بالبال الطويل إن هو طلب قليلاً من الماء ليشربه.. عليه أن يصبر ويصابر حتى تصل الرحلة إلى محطتها.
لا يمكن كما ذكرت آنفاً أن تتقدم هذه المؤسسة وأن ترتقي بخدماتها إن هي استمرت في إهمال مواعيد إقلاع رحلاتها.. لا يمكن لها أن تنافس غيرها إن هي أمعنت بالاعتقاد بتصدقها على الراكب وكأنها هي من تدفع له ليستخدمها في سفره.
كثير ممن أعرف هجروا تلك المؤسسة لسوء خدماتها وسوء تعامل موظفيها مع الركاب.. ولا شك أن المؤسسة قد سبق لها أن قامت بعملية رصد لنسب تراجع أعداد ركابها.
إلى لقاء آخر إن كتب الله.
dr.aobaid@gmail.com