Al Jazirah NewsPaper Tuesday  01/12/2009 G Issue 13578
الثلاثاء 14 ذو الحجة 1430   العدد  13578
أمراض خطيرة تلوح في أفق جدة إثر كارثة الفيضانات .. مسؤول بأمانة جدة:
أربع قنوات لتصريف السيول طالها الإهمال منذ 26 سنة

 

تحقيق - راشد الزهراني

في الوقت الذي كان سكان محافظة جدة يهمون بالرحيل إلى أداء فريضة الحج وآخرون يعتزمون البحث عن (الضواحي) في عيد النحر ومنهم المرابطون في أعمالهم, وبينما الجميع في سكينة وأمان وإذا بالفرحة تغمرهم عندما هطلت الأمطار فالجميع ينوي الخروج ليبللوا ثيابهم لينالوا بركة هذه الرحمة من رب العباد, فبينما الجميع لاهون ومسرورون ودون توقع لكارثة قادمة سوف تحول بهجتهم إلى خوف وحزن وعزاء وتشتت. فجاءت الطامة عندما غزت السيول منازلهم حتى غدت وكأنها فيضانات بسبب التجاوزات الخطيرة المتراكمة والإهمال الحقيقي بأرواح الناس. وأصابع الاتهام تشير إلى أمانة محافظة جدة (فهي بمثابة الأم التي أهملت في أطفالها وبعدما فقدتهم أخذت تبكي عليهم) فعندما علا صوت المواطنين يطلبون النجدة لم يجدوا بعد الله إلا الاتصال بالدفاع المدني والذي استنفر حال وجود الكارثة وكذلك الهلال الأحمر التي توافدت فرق متتالية لنجدة هؤلاء المتضررين, وهناك في الجانب الآخر من ضعفاء النفوس استغل هذه الأزمة فأخذوا يداهمون المنازل المهجورة يبحثون عن بقايا ثمينة وهناك أيضا من أصحاب سيارات الونش استغل تزايد الطلب عليهم من قبل المتضررين فأخذوا يرفعون أسعارهم إلى 2000 ريال حتى يسحب سيارتك من (وسط الركام) فيا سبحان الله، كارثة لم تشهدها عروس البحر منذ ما يقارب الـ16 سنة عندما غرقت العروس إبان أمينها السابق خالد عبدالغني، ولكن لم تكن هناك دروس مستفادة سوى عبارة (لكل حدث حديث) حتى وقعت جدة مرة أخرى في مصيدة الإهمال واللامبالاة بأرواح الناس.

وبعد مضي أربعة أيام على هذه الكارثة ولم يزل هناك الكثير من المفقودين مما جعل فرق الإنقاذ يستدلون عليهم عن طريق انبعاث رائحة جثثهم حتى اختلطت الجثث مع جيف الحيوانات الميتة والتي جرفتها السيول من بطون الأودية وزرائب الأنعام الموجودة داخل هذه الأحياء، وهذا مما طغى على رائحة مياه الصرف الصحي المنبعثة من آبار الصرف الصحي الخاصة بالمنازل.

وهناك من شهود العيان شاهدوا انتشال جثث من داخل عبارات الصرف الصحي المنتشرة والتي أخفتها المشاريع الجديدة، ويؤكد على ذلك ما قاله لصحيفة الجزيرة الأستاذ عبدالله بن سعد الأحمري نائب رئيس اللجنة العقارية بالغرفة التجارية الصناعية بجدة حيث قال: ليس ببعيد بأن تجرف هذه السيول الجثث إلى أماكن بعيدة وإلى عبارات الصرف الصحي فالكارثة كبيرة ويحتمل فيها أي شيء لاسيما وأن هناك مشاريع بطيئة جداً مخلفة وراءها الحفر والمخاطر دون تقيد لأنظمة السلامة أو تحسباً لما يحدث وهذا يدل على عدم الوعي والتخلي عن المسئولية من قبل المشرفين على المشاريع.

ويضيف الأحمري بأن هناك مخططات معتمدة وغير متعمدة تقع في بطون الأودية لم تحذرهم الأمانة أو لجان التعديات من هذه المخاطر بل زاد الطين بلة عندما اعتمدت الأمانة هذه المخططات بل حتى منحت بعض مواقع مجرى السيل كمنح البلدية فدفنت واستغلت بما لا يفيد وكذلك العقم الترابية التي وصل طول ارتفاعها ما يقارب المترين أو الثلاث وقد امتلأت بالمياه النازحة حتى شكلت بما يشبه السد الترابي ثم انفجرت فخرجت بقوة ساحقة على سكان حي الصواعد وقويزة والأحياء الأخرى المجاورة كما أن هذه الأحياء المتضررة واقعة في مصب الأودية. كما أن هناك الكثير من المنازل العشوائية أنشئت على خط سير مجرى السيل فتسببت في عرقلة سيره فتشعبت المياه بقوة حول هذه الأحياء حتى اختلطت بغيره من المياه الجارفة ومياه الأمطار فحدث ذلك الفيضان.

ويصف الأحمري عمق الكارثة بما لو استمرت الأمطار كالدول الأوروبية والتي تهطل أمطارها على مدار ستة أشهر متتالية لغرقت محافظة جدة بل تختفي من الخارطة نهائياً والسكان يموتون غرقاً! فمن المسئول عن هذه الكارثة؟ وأنا أشير بأصابع الاتهام على المهندسين القدماء الذين تجاوز مدة عملهم في الأمانة لأكثر من 20 سنة فهم ملمون بهذه الأوضاع ولديهم الخبرة والمعرفة ولكن لم ينفذوها أو عدم إعطاءهم الفرصة لتنفيذ الخطط الإستراتيجية التي وضعت إبان الكوارث السابقة.

ويعلق رجل الأعمال المعروف الشيخ يحيى مشبب عسيري مدير الصفقة العقارية للتطوير العمراني بالمنطقة الغربية أن ما حصل من كارثة يشير إلى وضع محافظة جدة غير الآمن وكان ينبغي استخدام التكنولوجيات الحديثة للتخطيط وكشف المخاطر فهناك من الأحياء ما زالت تعيش حالة من التوتر والخوف رغم تصنيفها ضمن الأحياء فهي مهددة بالخسف الأرضي إذا ما تحركت الأمانة وقضت على تصريف مياه الصرف الصحي وتشبيكه بشبكة الصرف الرئيسية حتى تقل هذه المياه وتجف ففي بعض هذه المنازل دخلت المياه داخل الدور الأرضي وتسببت في ضعف الأساسيات وهذا يؤثر على أساسات العمارة ومن ثم الخسف المفاجئ.

مسئول رفيع المستوى بأمانة محافظة جدة رفض ذكر اسمه قال: لقد منّ الله على هذه البلاد بنعم عظيمة وكثيرة، ولكن في ظل وجود الفساد الإداري والمحسوبية وقلة الإلمام بالمسئولية أو الأولويات في تنفيذ المشاريع كل هذا من أعظم مسببات هذه الكارثة، وإلا كانت هناك دروس مستفادة إبان أمين جدة الأسبق عندما غرقت جدة وكشف الستار عن كثير من التلاعب والإهمال، فكان ينبغي العمل على خطط وضعتها الأمانة لتصريف مياه الأمطار والسيول المتنقلة وما حصل في جدة من كارثة ليست من كثر الأمطار فحسب بل بسبب فيضانات السيول المنقولة النازحة عبر الأودية التي تصب شرق الخط السريع.

وأضاف المصدر بأن هناك عدد (4) قنوات للصرف الصحي مجمدة لأكثر من 26 سنة وهي قناة الجنوب والتي تصب في مشروع الأمير فواز، وقناة مخرج سوق الصواريخ، والقناة الشمالية (المفتوحة) وقناة ابحر (القادمة) من وادي كراع, حيث لم يلتفت إليها من قبل أمناء محافظة جدة رغم أن هناك مقترحات ترفع لهم من قبل المهندسين والطلب بتفعيلها والعمل على تجهيزها قبل وقوع أي كارثة ولكن دون جدوى، بل أخذت الأمانة على عاتقها إصلاح الخطوط الفرعية وتشبيكها بالخطوط الرئيسية وذلك لتهدئة غضب المتضررين من طفح المجاري، وهذا بحد ذاته يعد بكارثة مستقبلاً لا يحمد عقباها. فينبغي الاستفادة من هذه الكارثة ووضع الحلول المناسبة بصدق وأمانة وتشغيل هذه القنوات والتي لو أنها اشتغلت وجهزت تصريفها لما حصل ما حصل.

ثم يسلط المصدر الضوء على واقع الأنفاق التي كلفت الدولة المبالغ الباهظة وما حصل فيها جراء هذه السيول فيقول: إن الأمانة قامت بوضع مضخات غالية الثمن داخل هذه الأنفاق لتصريف المياه بشكل انسيابي تكنولوجي وهذه المضخات تعمل أوتوماتيكياً حال وجود الأمطار والسيول حتى الفيضانات ولكن للأسف الشديد أهملت هذه المضخات من قبل المهندسين المشرفين والمسئولين عنها فهي تحتاج إلى صيانة كشفية أسبوعية ولكن يمضي عليها الحول دون كشفية.

وأضاف المصدر بأن هناك العديد من الأودية وجميعها تصب في شرق جدة بالإضافة إلى بحيرة المسك والتي شارفت الانفجار لولا لطف الله وقدرته؛ فهناك وادي القوس ووادي مشوب ووادي بني مالك ووادي كراع ووادي فاطمة وهذا أضخم وادي، ولكن لم تأت منه مياه منذ 30 سنة وهذه الأودية جداً خطيرة ومسببة لفيضانات عظيمة قد تغرق جدة وأهلها في غمضة عين.

ويشير مسئول في بيئة جدة تحتفظ الجريدة باسمه حيث قال بأن الكارثة ليست كارثة فيضانات فحسب فهناك انتشار الأمراض الخطيرة والمتزامنة مع وباء أنفلونزا الخنازير فهناك إشارات بظهور حمى الضنك وهذه كارثة خطيرة يجب أن تخصص لها الأمانة ميزانية عاجلة والعمل على مكافحتها منذ البداية.

في الوقت الذي لقي المتضررون سياراتهم وقد جرفتها هذه الفيضانات من أمام منازلهم وبعضهم عند عودتهم من أعمالهم حيث تأتي توجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز بتعويض جميع المتضررين من جراء هذه الفيضانات فكأنما خفف عنهم معاناتهم بالوقوف معهم ومساندتهم إلا أنه وبعد توجيهات الملك جاء تصريح معالي وزير المالية ينفي تعويض خسائر السيارات، وهذا مما كبت جراح المتضررين.

(الجزيرة) تحدثت مع بعض من فقدوا سياراتهم معبرين عن قصص محزنة ومؤلمة.. يقول حميد النفيعي من سكان قويزة: أنا أسكن في منزل مسلح من دورين فعندما علمت بالمطر خفت على سياراتنا فأخذتها وأدخلتها الكراش وعندما اشتد السيل وأخذ يغزو البيت حتى على الدور الأرضي وكان عندي مستأجرون فأسعفتهم وأخرجتهم إلى الدور العلوي ثم نظرت إلى سياراتنا وإذ بها تتحرك بشكل غريب حتى سحبها السيل مع بقية السيارات ويعلم الله بأن أرها وكأنها سفينة تسير على ماء فجميع السيارات التي في الحي جرفت وعندما خف المطر ذهبت أبحث عنها ولم أجدها إلا في اليوم الثاني وعلى بعد 2 كيلو وعندما وجدتها وهي بحالة جداً سيئة ومتهالكة فأخذت أطبطب على صدري حزناً على سيارتي الجديدة وسيارة أبنائي ثم طلبت من ونش كان هناك بسحب السيارة فطلب مني مبلغ 2000 ريال فسبحان الله (مصائب قوم عند قوم فوائد) وبينما أنا أتفاوض معه وإذا برجل من الدفاع المدني يطمئنني ويقول لا تخاف فإن خادم الحرمين أمر بالتعويض وسوف تعوض بإذن الله فتركتها وذهبت إلى شقق الإيواء التي أمر بها الملك، ولكن تفاجأت وغيري في اليوم التالي بتصريح وزير المالية بنفيه تعويض أصحاب السيارات بينما أكثر الخسائر هي من السيارات فكان يفترض تحديد أو تشكيل لجان عاجلة لتحديد وبيان مستحقي التعويض حتى لا تنتهز الفرصة من قبل الآخرين.

محمد العتيبي وعلي الحبشي وسعيد الزهراني وموسى هزازي ويحي البشيري ومجري السلمي يقولون بأن سياراتهم جرفتها السيول أثناء عودتهم من أعمالهم فجميعهم يعملون في القطاع العسكري وهم من حماة الوطن ومرابطون في أعمالهم وظروفهم المادية تحتم عليهم الحرمان من جلب سيارة بعد ما فقدوا سياراتهم في السيول ونجوا من موت محقق بلطف الله وقوته, ويتساءلون: لماذا وزير المالية يمنع عنا التعويض عن سياراتنا؛ فنحن نطالب عبر صحيفة (الجزيرة) خادم الحرمين الشريفين بأن يمد يد المساعدة لنا وتخفيف معاناتنا ويكفي ما لحقنا من خسائر.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد