Al Jazirah NewsPaper Tuesday  01/12/2009 G Issue 13578
الثلاثاء 14 ذو الحجة 1430   العدد  13578
مدن مهددة بالغرق
فضل بن سعد البوعينين

 

جدة لم تكن المدينة الوحيدة المعرضة لأخطار السيول، بل كانت تتذيل قائمة المدن المصنفة ضمن الأكثر عرضة للأخطار البيئية وتقلبات المناخ.. صورة الرضيعة الغارقة في سيول جدة التي تصدرت الصفحة الأولى لجريدة (الحياة) تدمي القلوب، قبل أن تنهمر لها دموع المواطنين.. تُرى ما حال والدتها إن كتب الله لها النجاة؟!. أجزم بأن صورة الرضيعة الغارقة في سيول جدة هي من ستعجل في إصدار القرارات الحاسمة، وستحرك المياه الآسنة تحت أقدام المتسببين في الكارثة، وستنفض الغطاء عن المقصرين المنعمين في مساكنهم الدافئة الوثيرة.. براءة الأطفال، وأرواح الأبرياء دفُعت ضريبة لتقصير بعض المسؤولين في تحمُّل مسؤولياتهم الجسام التي أوكلها لهم ولي الأمر.. لم تدخر حكومة الملك عبدالله جهداً في سبيل توفير الإمكانيات المالية الضخمة، والدعم اللا محدود للوزارات والمؤسسات الحكومية في سبيل إنهاء الخدمات الرئيسة في أسرع وقت.. يبدو أن الفساد الإداري لم يعد يسمح لنبتة الخير بالنمو الطبيعي ما أدى إلى حدوث الكوارث، والأزمات المتكررة.. تعاني بعض الحقول الزراعية من ضرر التربة، وفسادها ما يجعل أمر نمو الأشجار المثمرة فيها أمراً غاية في الصعوبة إن لم يكن مستحيلاً.. يعمد المزارعون إلى جرف التربة الرديئة واستبدالها بتربة صالحة للزراعة.. ما أحوجنا إلى فعل ذلك على المستوى الإداري.. المحاسبة القاسية، وتحميل المقصرين تبعات أخطائهم بداية الطريق نحو تصحيح الوضع الإداري المترهل.

مناطق جدة العشوائية ما هي إلا جزء من مشاكل مدن المملكة الأخرى الطامعون لم يتركوا أرضاً خاصة بمرفق حكومي لم تُستغل، ولا مجرى للسيل، ولا مسجداً مهدّماً إلا وحولوه إلى سلعة تجارية في سوق العقار.. أما بعض مسؤولي الأمانات، البلديات، والوزارات الحكومية فقد خلطوا بين الخاص والعام حتى تشابهت الأمور عليهم. تضخيم تكلفة المشروعات، والتقصير في الرقابة والإشراف، وقبول تجاوزات المقاولين، وسياسة التنفيع في العقود هي ما تتسبب بكوارث المدن، وتدني مستوى الخدمات، وتأجيل المشروعات المهمة.

هناك الكثير من المدن المهددة بالغرق جراء السيول.. توقف الأودية والشعب عن السيلان خلال الثلاثين سنة الماضية لا يعني نضوبها إلى الأبد، بل هي مجارٍ طبيعية جعلها الله ممرات للسيول المرسلة تتلقاها متى أمر الله بذلك.. لا أستبعد جريان الأودية في كثير من مدن المملكة خصوصاً تلك التي شُيدت داخل الأودية وممرات السيول كمدينة الحفر، وبعض ضواحي النعيرية، ومناطق أخرى لا يمكن حصرها.

التقاعس في إنجاز مشروعات تصريف الأمطار يهدد كثيراً من المدن بالغرق.. أقترح أن يكون هناك رفع مساحي عاجل للأودية والشعاب ومناطق الخطر في المملكة التي بُنيت عليها القرى، الضواحي، والمدن وأن يتم التعامل معها عاجلاً.. إما بإعادة تشكيل المدن الحالية وإجلاء السكان إلى مناطق جديدة أكثر أمناً، أو بتغيير مجرى السيول من خلال شق القنوات الضخمة، وبناء السدود ووضع خطط الطوارئ المحكمة.

إنجاز مشروعات الصرف الصحي، وتصريف الأمطار في المدن المتضررة قبيل مداهمة الأمطار أمر لا مفر منه، ولعلي أستشهد بمأساة مدينة الجبيل مع الصرف الصحي والطفح الذي يهدد حياة المواطنين وسلامة البيئة بالخطر.. تُرى لو عادت الأمطار الغزيرة إلى مدينة الجبيل فما عسانا نتوقع للأحياء السكنية المشيدة على مناطق تجمُّع الأمطار؟ انهيارات وتصدعات ومشاكل بيئية لا تُحصى!. الحل يكمن في إنجاز مشروعات التصريف في أسرع وقت.

فليكن عام 2010 عام مشروعات الصرف الصحي وتصريف الأمطار لجميع مناطق المملكة، على أن تعهد تلك المشروعات لشركات عالمية تضمن الجودة وسرعة التنفيذ وأن يكون تقييم تكلفة المشروعات وفق دراسة عالمية دقيقة تضمن عدم تحمل ميزانية الدولة أموالاً طائلة تذهب لجيوب الشركاء، الوسطاء، ومحترفي عقود الباطن.

إغاثة المنكوبين

اشتكى بعض المواطنين لقناة الإخبارية من بطء إجراءات الإغاثة، وبخاصة التعويضات، وتوفير مراكز الإيواء.. الأمر لا يحتمل التأخير ووزارة المالية مطالبة بتعويض المتضررين عن مساكنهم وممتلكاتهم الخاصة، ومنها السيارات.. كما أن دفع ديات المتوفين يُفترض أن تلتزم به وزارة المالية بالنيابة عن أمانة جدة المتسببة في قيام المخططات العشوائية، وتأخير مشروعات تصريف الأمطار ما تسبب في هذا الكم الهائل من القتلى والأضرار الكوارثية.. أخيراً أقترح أن يتم إخلاء منازل مسؤولي أمانة جدة، وبلدياتها السابقين واللاحقين، ومديري الإدارات وكل من كانت له يد في تأخير المشروعات، أو بناء المناطق العشوائية، واستخدامها كمنازل إيوائية للمتضررين حتى يجدوا السكن الملائم، فمن تسبب في المشكلة يجب أن يكون جزءاً من الحل، وأن يتحمَّل تبعاتها، وتبعات المحاسبة القانونية.

***

F.ALBUAINAIN@HOTMAIL.COM



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد