ليأذن لي عشاق الكرة ولن أقول عشاق الرياضة، لأن الكرة في واقعنا المعاصر وأعني بها كرة القدم بالذات، أصبحت وأمست هي التي تعني عندهم الرياضة، فهل أضحت الرياضة التي مفهومها الحقيقي بأن العقل السليم في الجسم السليم، مجرد كرة قدم فحسب؟.
إن ما يحدث من عشق مبالغ فيه لكرة القدم بالتحديد صار إلى السلب أقرب منه إلى الإيجاب، فالانغماس في عشقها جعل من أنواع الرياضة الأخرى على هامش الاهتمام الشعبي والرسمي على حد سواء، مما أدى إلى إهمالها بما فيها بقية أنواع لعبة الكرة نفسها: من كرة يد وطاولة وتنس وما سواها.
وليت الأمر توقف عند هذا الحد، بل إن كرة القدم بلغت حداً مهولاً من تمكنها من شغاف قلوب متيميها إلى حد أن مدمنها قد يقترف في سبيلها ما لا يحمد عقباه، مما لا يتصرفه وهو في المواقف الأخرى، حيث يضطر أن يظهر على خلاف شخصيته حتى مع أقرب الناس إليه، لاسيما إذا خالفوه في توجهه الكروي!.
والأمر يزداد سوءاً إذا كان العشق لفريق واحد فقط، حيث تنشأ الحزازات حتى بين أبناء الأسرة الواحدة إذا اختلفوا حول الفريق المعشوق وصار كل واحد منهم يشجع فريقاً مختلفاً عن صاحبه، فياله من تصرف غريب لا يكون حتى في عشق البشر لبعضهم البعض الذي هو أقوى أنواع العشق حسب ما تحكيه لنا كتب الأدب والتاريخ عبر العصور؟.
وما حدث مؤخراً من خلاف كروي بين منتخبين عربيين مسلمين شقيقين هما منتخب مصر ومنتخب الجزائر، يؤكد ذلك أيما تأكيد، وهو يتكرر ما بين الفينة والأخرى بين الإخوة بالذات سواء في مضمار الشعوب أو على مستوى الأفراد، فالأمر إنما هو مجرد (حيلهم بينهم)، حتى أصبح الأمر مخزياً ومثيراً للهزء من الشعوب التي تفوقنا في جميع المجالات.
وأكبر دليل على أن الشعوب العربية قد بالغت في العشق الكروي السلبي، أننا نلحظ عدداً من الدول الكبرى المتقدمة تقدماً تشرئبّ له أعناق الطموحين، لم تولِ كرة القدم اهتماماً مبالغاً فيه، بل لو كان الأمر يعني لديها شيئاً يذكر لما تركته يفلت منها وهي القوية عدةً وعدداً واقتصاداً!.
ولكن يبقى للإعلام دون شك دور عظيم في إصلاح هذا الوضع غير الحضاري وإعادته للتوازن المطلوب، فهو الخصم والحكم، فملاحق الرياضة التي تزيد صفحاتها على الملاحق الثقافية والفكرية والاقتصادية الأخرى، من حيث كثرة الصدور وعدد الصفحات، تحتاج إلى إعادة برمجة كي تصبح على الأقل ملاحق رياضية لا مجرد ملاحق كروية تختص بكرة القدم فقط.
ولابد أن تغرس في قرائها الروح الرياضية الحقيقية، لا روح التحزبات والانحياز الأعمى، سواء في مجالات الرياضة الداخلية أو الخارجية، حيث إن بعض وسائل الإعلام سواء المسموعة أو المرئية أو المقروءة تشحن الجماهير شحناً تحريضياً بدل أن تشغل أوقات فراغهم وتسعدهم.