ما حصل لمدينة جدة حصل لسلطنة عمان، فقبل أكثر من عام تعرضت السلطنة لإعصار أنو الذي كانت سرعته أكثر من 160كم في الساعة وارتفعت مياه البحر إلى أكثر من 12 متراً، ولكن لم تحصل وفيات بقدر ما حصل في جدة؛ لأن التخطيط كان أفضل والفساد أقل، أما مدينة جدة التي تعرضت أحياؤها الجنوبية والشرقية لأضرار كبيرة فحصلت وفيات لأكثر من مئة غريق، وتضررت المنازل والشوارع والسيارات بسبب هطول أمطار بكميات عالية جداً وصلت إلى قرابة الكمية التي تهطل على مجمل الجزيرة العربية في عام واحد، لهذا فلم تصمد الأحياء الجنوبية والشرقية أمام السيول التي ولدتها الأمطار خصوصاً أن منازل هذه الأحياء قد أقيمت في مجرى سيل الأودية، وهذه الأودية ومجاري السيل أوجدها الله لتمكين الإنسان من تجنب الكوارث التي تسببها السيول ولم تنشأ عبثاً، خرّبها جشع الإنسان وتواطؤ المسؤولين عن إعطاء تراخيص البناء مع تجار تطوير الأراضي فسويت مجار السيول ومهدت الأراضي التي أقيمت عليها المنازل وشقت فيها الشوارع لتتحول إلى أنهار ومقابر للسيارات وتحولت المنازل إلى أفخاخ حوصر فيها السكان الذين غرقوا في المياه التي اندفعت إلى داخل المنازل.
سوء التخطيط وفساد الذين أعطوا تراخيص البناء، وسمحوا بتخريب ما أوجده الخالق لجعل الأرض صالحة للسكن، والإهمال جعل 70% من أحياء جدة الجنوبية والشرقية بلا تصريف نتيجة البناء العشوائي.
ضحايا سيول جدة وصل حتى كتابة هذا المقال إلى مائة وثلاثة قتلى، ومأساة ضواحي جدة الجنوبية والشرقية مرشحة للتكرار، ربما في جدة أو في مكان آخر من جنوب الجزيرة العربية فقد بثت الفضائية (العربية) تقريراً علمياً عن التأثيرات السلبية لظاهرة الاحتباس الحراري الذي من تأثيراته ازدياد كثافة هطول الأمطار في الشتاء وأن الكميات ستكون كثيفة وكثيفة جداً، مما يستدعي استعدادات مسبقة ليس في مدن المملكة الجنوبية والغربية بل في جميع مدن المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربية التي اعتادت استقبال أمطار قليلة وقليلة جداً، بل إنها تعاني من الجفاف أصلاً، لكن بعد ظاهرة الاحتباس الحراري يؤكد العلماء أن إحدى تأثيرات هذه الظاهرة هي ارتفاع درجة الحرارة في الصيف وزيادة كميات الأمطار في الشتاء التي تسقط في مناطق معينة ومنها الجزيرة العربية الواقعة بين المحيط الهندي والقارة الإفريقية، والبحر الأحمر، ولهذا فإن الواجب أن يكون الاستعداد لمواجهة هذا المتغير البيئي وإلا لا سمح الله فإن كثيراً من المدن ستتعرض لما تعرضت له جدة.
والاستعداد هو إعداد مدننا وأنفسنا للتعامل مع هذه الظاهرة ونعمل من الآن على مراجعة مجاري السيول وتفقد طرق وأساليب تصريف المياه مع العمل مستقبلاً على إقامة سدود وعمل بحيرات خارج المدن توجه إليها سيول الأمطار التي ستتكرر في الأعوام القادمة، والاستفادة من المياه في وقت الصيف.
المهم عمل خطة استراتيجية لمواجهة هذه الظاهرة خصوصاً أن المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربية لا يمكن لها أن تعالج ظاهرة الاحتباس الحراري فعلى الأقل أن تعالج إفرازاتها السلبية على أراضيها.
jaser@al-jazirah.com.sa