لم يعد الآن ممكناً أن تتابع أي جهة مختصة أو مسئولة عن سلامة الغذاء كل هذا الكم الهائل من شركات الغذاء والمطاعم والمطابخ والبوفيهات وأماكن الوجبات السريعة، فالاعتراف بالحق ضرورة، وبيان العجز في القدرات المتاحة ممكن، ومن المهم أيضاً كشف تواضع الإمكانات في الرقابة والمتابعة أمام المستهلك، فقد يكون هذا الكشف حافزا لتصحيح الوضع الصحي للمأكولات في أي مكان. فالطرق التقليدية في مراقبة جودة الغذاء وسلامته لم تعد مؤثرة، ووجودها مثل عدمها كما يقال، لأن الكثافة العددية للمحلات، وازدياد الطلب على الوجبات، وغياب المطبخ المنزلي هي من أسهم في تفاقم الحالة، فلم يعد هناك أي تكافؤ بين الواقع الغذائي الذي بات متشعباً ومتنوعاً وبين الخدمات الرقابية والإجراءات التي تكفل سلامته من أي أذى. ورغم وجود أنظمة عالمية متطورة وفاعلة تقوم بفحص الغذاء وتقويم جودته لاسيما اللحوم ومشتقات الألبان على نحو نظام (الهاسب.. haccp) إلا أننا لا نزال في ناي عنه، وربما لم يطبق هذا النظام على وجه التحديد إلا في جهات محدودة مثل مطابخ الخطوط الجوية العربية السعودية، وبعض مستشفيات وزارة الصحة، والمستشفيات الجامعية التي تسعى بوعي لتقديم خدمة غذائية مناسبة لاسيما وأنها بمقابلة فئات تطلب المزيد من الخدمات المفيدة، والمميزة تماشياً مع أهداف هذه الجهات.
تجربة (الخطوط السعودية) في مجال الغذاء مثال مميز ربما يحتذى، ومن المناسب تعميمه على جميع المنشآت الغذائية صغيرها وكبيرها، لأن الطرق الرقابية التقليدية في الكشف على الأطعمة والغذاء باتت للأسف عديمة الجدوى، وربما يكون أخطرها أنها قد تراعي أصحاب المنشآت ولا تعبأ بالمستهلك، فباتت تنتج أغذية رديئة، أو ملوثة، وقد يثبت ضررها لكن لا يعزز بكشف علمي واضح.
ومن أمثلة رداءة المنتج الغذائي في بعض مؤسسات وشركات الأغذية هو استخدام زيوت القلي غير الجيدة التي قد تستدل على عدم جودتها ورداءتها هو تدني أسعارها بشكل لافت، فحينما تذهب هذه المنشآت إلى البحث عن عناصر رديئة وغير جيدة لتقديم خدمات الغذاء فهذا هو الضرر بعينه. فالهدف المادي والحس التجاري الصرف بات يدير الكثير من الأعمال الخدمية في وقت لم يعد هناك حضور للحس الإنساني والوعي المسئول الذي يسهم في الرفع من كفاءة المنتج الغذائي على وجه التحديد حتى وان ظهر أمام الناس بأنه مكتمل العناصر، ومحقق لاشتراطات السلامة، لأن ما يستخدم فيه قد يكون من قبيل التنويع بوسائل الجذب للمستهلك دون مراعاة الوجه الكمال في سلامة الغذاء وجودته، وربما يسهم نظام (الهاسب) في كشف أوجه هذا الخلل المحتمل في سياق تقديم الخدمات الغذائية للمستهلك. والأمر المؤذي والمقلق -كما أسلفنا- هو تحول المطبخ المنزلي في الكثير من البيوت لمجرد ديكور يحسن المظهر، فتعرض فيه مقتنيات الغذاء و أواني الطبخ، فقد بتنا جراء ذلك في أمس الحاجة إلى من يقدم لنا الغذاء البديل بوسائل مفيدة، وطرق صحية تخضع للفحص العلمي على نحو نظام (الهاسب)، ووسائل الكشف المبكر لعلنا نفلح في تجنيب أنفسنا وأطفالنا مما قد يتربص بنا من أخطار وسموم تفرزها رداءة المنتج، وضعف الرقابة وتهالك وسائل الكشف على مصادر طعامنا الذي بات جله ينتج خارج المنزل كما أسلفنا.
Hrbda2000@hotmail.com