لا يمكن لكاتب يشعر بقدر ولو قليل من الوطنية إلا وأن يقف أمام كارثة تسونامي جدة متسائلاً: من المسؤول؟. القضية كارثية بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، ولا بد من مواجهتها بحزم، والتحقيق فيها، ولماذا وصلت الأمور إلى هذه الدرجة من السوء، ونحن - ولله الحمد والمنة - دولة نمتلك ربع احتياطي العالم من النفط، وأرصدتنا تصل إلى الترليونات، ولدينا من الإمكانات ما لا يملكه90 في المائة من دول العالم، ثم نكتشف في يوم مطير أننا بهذا القدر من الهشاشة؟
هذا، والله لا يمكن السكوت عليه بأية حال من الأحوال.
كنا نباهي، ونفاخر ونرفع شعار (جدة غير)، وفجأة نكتشف أنها بالفعل (غير)؛ لكنها كالمرأة الجميلة، التي تصرف ما في حساباتها على (الماكياج) وكل ما وصل إليه العالم من منتجات (الميك أب) غير أنها كما يقولون (تلبس خلاخل والبلا من داخل)!.. قال صاحبي وهو يحدثني عن كارثة السيول التي كادت أن تبتلع جدة عن بكرة أبها: وما خفي كان أعظم؛ فالبنية التحتية لجدة في منتهى السوء، فقد اهتمت بلدية جدة في كل عصور أمنائها (بالظاهر)، وتركت مالا يبدو للعيان، أو ما هو تحت السطح (على طمام المرحوم)؛ ففي جدة أسوأ شبكة صرف صحي، ناهيك عن شبكة لتصريف السيول التي فضحت بلدية جدة ومن يخطط لها، وفي جدة تمدد عمراني عشوائي؛ ففسوح البناء تمنح في المخططات الجديدة لأصحاب الواسطات والنفوذ، دون أن يُبدي المسؤولون في البلدية أي اهتمام بالبنية التحتية في تلك المخططات، أو يُعيرها ولو مجرد تفكير يبدأ من (ماذا لو) وينتهي (بكيف العمل)؟ هذا ناهيك عن (التعديات) العقارية، التي يتم فرضها كواقع على البلدية، فلا تملك البلدية في النهاية إلا الاستسلام والرضوخ.
وفي جدة يضرب الفساد والمحسوبيات أطنابه في كثير من أفرع المصالح الخدمية الحكومية هناك؛ فمن (يدفع) أكثر تُزف إليه العروس صاغرة رغم أنفها، ومعها حبة مسك أيضاً.
تسونامي جدة الأخير لم يكن سوى القشة التي قصمت ظهر البعير؛ غير أنه - كما يقولون - (لاشيء) إذا ما قورن بالكوارث (القادمة) والمتوقعة، والتي تحتاج فقط إلى زمن، أو ربما سبب مناخي آخر، لكي تطفو على السطح.
لا بد من أن يتم التحقيق في هذه الكارثة.. عفا الله عما سلف لا يمكن قبولها، فمن أمن العقاب أساء الأدب. ولا يكفي فقط أن نتدارك القضية بعلاجها بعد أن (وقع الفاس في الراس)، بل يجب أن نحاسب المخطئ، ونفتح ملفات كل من تولوا أمانة بلدية جدة؛ كما يجب أن نتعلم منها أن التساهل والتأجيل وعدم التعامل مع أولوياتنا التنموية بجد وموضوعية وعقلانية، وعدم الاكتراث بسلامة ومتانة البُنى التحتية لمدننا، يجعل من (تنميتنا) بأسرها كمن يبني بيته على كثبان رملي، ما إن تهب أي عاصفة حتى يخر البيت على من فيه. وأخشى ما أخشاه أن تتكرر مأساة جدة في كثير من مدننا تلك التي (تلبس خلاخل و البلا من داخل) إذا لم نأخذ مثل هذه القضايا على محمل الجد.
إلى اللقاء.