الأسعار في ارتفاع، والتضخم لا يكاد يتدنى حتى يرتفع من جديد، وما كان يعد كمالياً قبل عشر سنوات فقط، أصبح حاجة بل ضرورة في هذه الأيام.
رواتب الموظفين في الدولة بقيت على ما هي عليه لعدة سنوات، فلم تستجب لغلاء الأسعار في المأكل والملبس، ولا لفواتير الكهرباء والماء، ولا للرسوم التي تفرض هنا وهناك.
الإجراءات في الوزارات، وإن تحسنت بعض الشيء، إلا أن الشفافية فيها معدومة وتتصف بالتعقيد، بدليل أن المعاملة قد تنجز في يوم وقد تحتاج لعدة أشهر، والواسطة الجاهية أو المدفوعة الثمن، لا تزال تفعل فعلها.
الرقابة شبه معدومة على أداء الموظف، فهو قادر على أن ينتقي من المعاملات ما يروق له، ويقدم بعضها على الآخر، والمستندات المطلوبة لإنجاز المعاملة تزيد وتنقص، تدقق أو لا تدقق، طالما أن الإجراءات المعقدة تتيح للموظف ممارسة سلطته التقديرية، واطمئنانه بأن أحداً لن يُسائله.
لعن الله الراشي والمرتشي والرائش، ومع ذلك فلدى البعض رأي آخر يجيزها للضرورة ولدفع الضرر الأشد بالضرر الأدنى.
وقوانين مكافحة الفساد تنام في الأدراج، لا لنقص فيها وإنما لتقاعس من أنيط بهم تنفيذها لسبب أو لآخر، ولكم في إستراتيجية النزاهة ومكافحة الفساد التي صدرت منذ سنتين وهيئتها الموعودة خير دليل.
هذه المفارقات، تبدو وكأن لا حلّ لها، ليس على مستوى دولة بعينها، وإنما على مستوى العالم برمته مع اختلاف في الأسباب والنتائج.
وإذا أرادت دولة ما أن تقضي على ظاهرة الفساد، فعليها أولاً أن تسبر أسبابه، فهناك أسباب عامة في كل الدول، وهناك أسباب خاصة بكل مجتمع، على أن تخضع تلك الأسباب للتحليل والتمحيص والمقارنة والمقاربة.
ففساد الذمم نتيجة وليس سبباً، فإذا ما عولجت أسباب الفساد، بعد تحديدها وتشخيصها اختفت أو على الأقل تقلصت هذه الظاهرة المرضية المنافية للتعاليم السماوية ولقيم الأخلاق والعدالة والمساواة، ولعل تحديد الأسباب وتعريتها، سيجيب على أسئلة عديدة من بينها، لماذا يرشي الراشي؟ ولماذا يقبل المرتشي الرشوة؟
استشراء الفساد في مجتمع كمجتمعنا، كان هاجساً تتناقله الأفواه على استحياء، أما بعد ما نشر على لسان هيئة الرقابة والتحقيق من أنها رصدت 878 قضية فساد من بينها (104) حالات رشوة، وذلك خلال ثلاثة أشهر من 1-4-1430هـ إلى 30-6-1430هـ، أي بمعدل تسع حالات يومياً، فإن الأمر أصبح بحاجة ماسة إلى إعادة نظر.