أمس الجمعة كان العيد الذي ننتظره دائماً في أسرتنا الصغيرة.. وضعت الوالدة منذ صغرنا تقاليدها الخاصة بهذا العيد، فبعد الصلاة نعود لمنازلنا لإيقاظ الصغار الذين تجدهم بالكاد قد ناموا من الفرحة، وكل منهم ينتظر دوره في تقطيع اللحم وتصنيفه وتوزيعه على الجيران والأقرباء والفقراء ولننطلق جميعاً بنين وبنات مع أولادنا للتجمع في منزلها العامر الذي يضج بأصوات الذبائح القلقة، وهي ترفض النزول من السيارة الكبيرة ليدفعها رجال ضخام نحو حتفها، والوالدة تراقب الموقف ومعها أطفالنا لتعلمهم كيف يقرؤن الشهادة على ذبائحهم المستقبلية.
أمس الجمعة كان العيد الذي ننتظره دائماً في أسرتنا الصغيرة.. وضعت الوالدة منذ صغرنا تقاليدها الخاصة بهذا العيد، فبعد الصلاة نعود لمنازلنا لإيقاظ الصغار الذين تجدهم بالكاد قد ناموا من الفرحة، وكل منهم ينتظر دوره في تقطيع اللحم وتصنيفه وتوزيعه على الجيران والأقرباء والفقراء ولننطلق جميعاً بنين وبنات مع أولادنا للتجمع في منزلها العامر الذي يضج بأصوات الذبائح القلقة، وهي ترفض النزول من السيارة الكبيرة ليدفعها رجال ضخام نحو حتفها، والوالدة تراقب الموقف ومعها أطفالنا لتعلمهم كيف يقرؤن الشهادة على ذبائحهم المستقبلية.
قبل ذلك بليلة تأخذ الوالدة من يشاء من الصغار إلى حيث تحفظ الذبائح استعدادا ليوم العيد لتضع الحناء عليها كما اعتادت منذ كانت طفلة، ولتقرأ عليها الشهادة واحدة وراء واحدة وحولها أطفالنا يمرحون ويلعبون مع الخراف التي تتقافز في حبور أمامهم في تلك اللحظات دون أن تعرف المصير الذي ينتظرها في الغد.
صبيحة العيد هو اليوم المشهود بيننا صغاراً وكباراً.. فالبيت يضج بالداخل والخارج والقصابون يتراكضون في عجل لإنهاء مهماتهم واللحاق بالفرص التي تنتظرهم لاقتناصها في يومهم الموعود هذا فلا أحد يكون مطلوباً ومرغوباً كمثلهم اليوم.. بعد لحظات يبدأ تدفق الأطباق المعدنية الملونة الكبيرة محمولة جيئة وذهاباً بين عالم القصابين والرجال والضجيج ممتلئة باللحوم المقطعة وبين عالم النساء المنتظر بالداخل يضج بصخب الأطفال المذهولين؛ إما لرحابة أو فظاعة المشاهد والدم واللحم (الله وحده يعلم) وبين عالم الأمهات والأخوات وزوجات الإخوة، حيث ندور ونحور بين السكاكين والسواطير وبين تقافز الوالدة الفرح لتدير هذه الجموع فنقطع لفلان قطعة من ذبيحة هذا، وثلث الذبيحة الأخرى لفقراء المنطقة الفلانية وأخريات يضعن قطعاً أخرى في الأكياس البلاستيكية، فيما انشغلت أخريات بوضع الأسماء بدقة فوق الأكياس لإرسالها لاحقاً إلى أصحابها في حين يهرع الأطفال فرحين بتلقف قطع أخرى لتوزيعها على الجيران أو الفقراء من طارقي الدار.
في هذه الأثناء.. تتجمع صغيرات ومراهقات العائلة لتستعرض كل منهن فكرة ما وجدتها على الانترنت أو في كتاب للطبخ لإعداد أحد أطباق اللحم أو الكبد السريعة لكل العائلة بعد انتهاء احتفال نحر كافة الذبائح. وها نحن على الحادية عشرة وبعد أن أكملنا حصر أسماء وأعدد الأسر والفقيرات التي تعيلهن الوالدة نتجمع لتناول الكبدة واللحم الطازج مطبوخاً بمحاولات من يطرقن أول أبواب إعدادهن كزوجات وأمهات من مراهقات العائلة.
في ظهيرة ذلك اليوم أو في مسائه تلتقي العائلة الكبيرة صغاراً وكباراً للمعايدة ولاستعراض آخر الأحداث (المهمة) في نظر (العائلة) وبعد انتهاء وجبة العيد يقبل الأعمام والكبار من قسم الرجال يرفلون في أثوابهم الجديدة للمعايدة والعمة الكبرى تصرخ في حبور.. تعالوا سلمو على أبوكم... على عمكم... على جدكم إلى آخر المسرحية العائلة التي يدفعنا استمتاعنا بها للحضور والالتزام بالمناسبة عاماً بعد عام.
هي أحداث قد تبدو بسيطة وغير مرسخة بالنسبة للبعض لكنها ظلت بالنسبة لعائلتنا الصغيرة والكبيرة معلماً يميز عيد الأضحي عن غيره من المناسبات ليؤكد أهمية أن يكون هناك تقاليد ترسخ أحداث معينة وتجعلها أكثر تميزاً عن أيامنا العادية.
أتذكر أن أسواقنا الترابية كانت تفرش في عيد الفطر بالبسط الحمراء وتمتلئ بعد صلاة العيد بصحون الرز واللحم والجريش ليلتف الجميع حول بعضهم للمعايدة وأكل العيد، ولنقف نحن الصغار خلفهم نتأمل شوارع اللعب الترابية التي استولي عليها الكبار لعقد احتفالاتهم الموسمية اللذيذة.
تدريجياً اختفى هذا الطقس.. ولم تعد ترى شيئا من ذلك في مدينة الرياض واختفى الناس داخل بيوتهم الأسمنتية، وبدا العيد فاقداً للنكهة والشخصية مع عالم المدينة الذي لم يستطع إيجاد تقاليد خاصة به وحاول في ظل مدنية مزيفة الاستعلاء على تقاليد القرى والأرياف.
استعاض الناس عن بيوتهم وشوارعهم الداخلية ببيوت الأفراح الكبيرة والاستراحات التي يلتقون فيها بسرعة ويغادرون بنفس السرعة للحاق بمواعيد نومهم التي اضطروا لتأخيرها بسبب العيد وبدت مناسبات الأعياد غريبة ويتيمة مع هذه الأجيال الجديدة التي لم تر ماذا كان يعني العيد لنا صغارا.
اليوم تحاول أمانة مدينة الرياض بكل أنشطتها التراثية والترويحية إضفاء مسحة فرح وتميز على الرياض في أعيادها ويبقي المحرك الرئيسي هو سكان هذه المدينة التي يجب أن يصروا على أن للعيد تقاليد عائلية يجب أن يشترك فيها الصغير والكبير، وأن تحفظ ويتم توارثها كتقاليد هامة داخل العائلة بإصرارنا نحن الكبار على إقامتها عاما بعد عام حتى يصبح للعيد نصيب من اسمه.