Al Jazirah NewsPaper Saturday  28/11/2009 G Issue 13575
السبت 11 ذو الحجة 1430   العدد  13575
بين الكلمات
بروباجندا (شمولية)-1
عبد العزيز السماري

 

كثيراً ما نعلق على الحملات الإعلامية المتواصلة على أنها بروباجندا، وغالباً ما يًستخدم هذا المصطلح في الثقافة العامة من أجل التقليل من حقيقة الدعاية الإعلامية، لكن البروباجندا تتجاوز تلك النظرة السلبية وتختلف أهدافها من مؤسسة لأخرى، وتدخل ضمن ما يُطلق عليه بالإعلام الموجه بغض النظر عن سلبياته أو إيجابياته، ويكاد ينحصر مفهومها في اتجاه الإعلام المنظم من أجل التأثير على العامة أو توجيه مشاعرهم وآرائهم من أجل خدمة غرض محدد..

فقد تكون من أجل نشر مبادئ نبيلة أو من أجل خدمة فئة محددة، أو لتبرير أقوال أو أفعال سياسية، كذلك لا زالت تُستخدم على نطاق أوسع في العصر الحديث.. والبروباجندا نقيض حرية التعبير وتعدد الآراء، والرأي والرأي الآخر، فهي تمثل ما تريده سلطة النخبة أن يصل إلى المجتمع، وذلك للسيطرة على الأخبار والمعلومات العامة وعلى أجهزة الإعلام بمختلف وسائلها.

يعتبر الدوتشي بينيتو موسوليني المؤسس الحقيقي للفاشية أول من أسس ونظم إعلام البروباجندا، فقد استطاع من خلال فلسفته الشمولية أدلجة الفن والثقافة في سبيل خدمة النظام، وكان ما حققه في زمنه يعد سابقة إذا ما استثنينا تأثير التيارات الدينية في الأزمنة السابقة، فقد ظهرت الفاشية كحركة مضادة للحداثة، تعمل في إيطاليا من أجل إحلال شعارات (آمن، أطع، حارب) محل مبادئ الثورة الفرنسية (الحرية، المساواة، الأخوة)..، وقد كانت الطاعة الكاملة والعمياء فرض في عهد الزعيم الفاشي، لذلك قضى موسوليني على الحياة البرلمانية وحرية الصحافة في إيطاليا، وجعل من شخصيته الطاغية الحاكم الأوحد، ومن آلته الإعلامية الصوت الأوحد في البلاد.

أمد الفكر الدارويني الفاشية بالثقافة التي تساهم في دعم الأيديولوجية الشمولية، وفي تساوي الخير مع القوة، والشر مع الضعف، وتم إعادة قراءة فكر الليبرالي روبرت سبنسر للاختيار الطبيعي لتصل إلى فكرة البقاء للأصلح.

وقد عملت الفاشية من خلال البروباجندا ورؤيتها الاستبدادية اقتلاع الفكر السياسي الحداثي من جذوره، ومنع نشوء مجتمع مدني..، وقد تبنت النازية وعي فاشية موسوليني.. الذي لا يثق في الثقافة ويجد فيها عامل تهديد للوحدة الوطنية، لتحل محلها ثقافة القوة الجسدية، فكان شعار النازية : الدماء والتربة تجسيداً لذلك..، واتفقت الفاشية والنازية على استغلال الإعلام والفن والثقافة من أجل خلق وعي متكامل يؤمن بعلاقة الجنس بالسيادة، ويؤكد على التفوق القومي الذي يتجاوز مفاهيم الوطن الحداثية..

كان تدهور الاقتصاد العامل الأهم لخروج الأنظمة الشمولية من رحم الديمقراطية الهزيلة، فقد كانت الثقافة الديمقراطية في أوروبا حديثة العهد، كذلك كان للشخصيات الكاريزمية قبولاً شعبياً، وهو ما أغرى هذه القيادات في الانقلاب على مبادئ الحداثة، والتي كانت في طريقها للانحسار في أوروبا الغربية لولا تدخل الولايات المتحدة الأمريكية في الحرب ضد التطرف الشمولي.. برغم من أن الأنظمة الفاشية كانت في بادئ الأمر نتاج لدعم البرجوازية ضد الشيوعية..

ولكن هل يصح القول أن الأنظمة الشمولية انتهت في العالم، وهل توقفت ماكينة البروباجندا الإعلامية عن تنظيم وعي الناس، والحقيقة أنها لم تنتهي، ولكن اختلفت في طريقة تنظيمها واتجاهاتها، وصارت لها طرق أكثر تأثيراً من ذي قبل، فقد تكون في منتهى الخطورة إذا كان مصدرها يأتي من خارج الوطن، ويحمل في شعاراتها دعوات الحرية والليبرالية حسب ما يمليها مشرعها الحالي، لكنها موجهة من أجل أهداف إستراتيجية، وقد أجاد السياسي الغربي الحديث في إطلاق الشعارات خارج بلاده من خلال الإعلام، وقد كان الشعار الفاشي الأكثر شهرة (إن لم تكن معي فأنت ضدي) رمزاً لمرحلة ما بعد 11 سبتمبر، وهو يعني أن الفاشية والبروباجندا موجودة، ولكن في صور أكثر ذكاء عن أيام الدوتشي بينيتو موسوليني.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد