(الجزيرة)- الرياض:
أسئلة واستفسارات حول المناسك، وكيفية تأديتها كما ورد عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، تواجه الحجيج الذين جاءوا من كل فج عميق؛ ليشهدوا منافع لهم؛ فكل حاج يريد أن يصح أداء مناسكه؛ لأنه تكبد المشقة، ودفع تكاليف الحج، وجاء إلى الأراضي المقدسة قاصداً أداء الفريضة لينال الأجر والثواب، وهي حجة العمر؛ فيريد تصحيح المناسك وأداءها على الوجه الصحيح.
ولذلك تقع على عاتق العاملين في مجال التوعية في الحج مسؤولية كبيرة، في الإجابة عن تساؤلات الحجاج المختلفة والمتنوعة، والأمر لا يقتصر على الإجابة عن الأسئلة، بل تفهيم الحاج أداء المناسك بطريقة صحيحة، والتأكد من استيعابه للأمر.. وعمل رجال التوعية يبدأ من المنافذ البرية والبحرية والجوية، ولا يقتصر على توزيع الكتب، والعاملون في التوعية لابد أن تكون لهم مواصفات خاصة لاستيعاب التنوع البشري للحجاج.. فكيف يرى بعض العاملين في مجال التوعية دور الدعاة وطلبة العلم في الحج؟ وما أكثر تساؤلات الحجيج؟ عدد من العاملين في مجال التوعية الإسلامية في الحج تحدثوا.. فماذا قالوا؟!
نفع عظيم
يرى د.طارق بن محمد الخويطر الأستاذ بمعهد القرآن الكريم بمدارس الحرس الوطني العسكرية: إن وجود العلماء وطلبة العلم في المشاعر له نفع عظيم؛ إذ يفد إليهم ألوف من الحجيج ممن أشكلت عليهم مسائل في الحج، أو حصل منهم ارتكاب محظور من محظورات الحج ولا يعرفون كفارته، أو امتنعوا عن أشياء؛ خوفًا من تأثيرها على حجهم، وهي في الواقع لا تأثير لها على حجهم؛ فرجعوا بعد سؤالهم مطمئنين، وزالت عنهم المخاوف والشكوك، وابتعدوا أيضاً بفضل الله ثم بفضل هؤلاء العلماء وطلبة العلم عن البدع والمحدثات في الدين، وعن فعل كل ما ليس له علاقة بالحج ولا أجر فيه، مع ما في عمله من المشقة والعنت، هذا إذا لم يكن فيه إثم ومعصية.
والمطلع على عمل هؤلاء المفتين يرى بنفسه كيف ينفعون بفضل الله المستفتين، وبخاصة من ليس له أي معرفة من هؤلاء الحجاج عن مناسك الحج.. ونرى أيضاً نفع هؤلاء المفتين عندما ترى من ليس أهلاً من العوام أو غيرهم يتصدرون للفتوى غير مستحضرين قول الله - جل وعلا -: (وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) - (الإسراء: 36)، وقوله - عز وجل -: (وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ) - (النحل: 116)، وقوله سبحانه: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) - (الأعراف: 33).
فكان من نتائج هذه الجرأة عدم القيام بأعمال الحج على الصفة الواردة عن الرسول - صلى الله عليه وسلم -، يذكر لنا أحد الإخوان قال: كنت جالساً في الحرم الشريف؛ فسمعت سائلاً وقف عند أحد العوام يسأله: من أين يبدأ بالطواف؟ فقال له ذلك العامي: انظر إلى أي زاوية من زوايا الكعبة وابدأ منها الطواف! يقول: فاستغربت من هذا الفعل، وزادني أيضاً استنكاراً لهذه الجرأة تقبل السائل لمثل هذه الفتوى الخاطئة؛ فلم أستطع الصبر؛ فتدخلت قبل أن ينصرف السائل، وأخبرته بأن البداية من الركن، وشرحت له ذلك، يقول: فاشتاط ذلك العامي غضباً لما رأى أنني خالفت إجابته، ولم أعبأ بذلك. يقول: فأنا أدركت هذا الأمر وصححته في وقته، لكنني متأكد أن أمثال هذا العامي المتساهل في الفتوى كثير، وبخاصة في مثل هذه الأيام؛ لكثرة السائلين، وكثرة المسائل الواقعة، فكيف يشكك أحد في دور هؤلاء الدعاة والمفتين الذين يفتون على بصيرة ويبينون المناسك على علم ودليل؟
ولذا فقد نفع الله تعالى بوجود هذه الأكشاك ووجود المفتين فيها طوال اليوم، وأيضاً بوضع الرقم الموحد للرد على المستفتين الذين يكثر منهم السؤال، والرغبة في الإجابة عن إشكالات وقعوا فيها، خصوصاً أن كثيرًا منهم يقدم لأول مرة للحج ولم يقرأ عن المناسك شيئًا.
أما أبرز المشكلات التي تواجه الدعاة في الحج - والكلام للخويطر - فيمكن إيجازها في الآتي: حاجة الداعي إلى حضور مترجمين لأغرب اللغات والرد على إشكالات المستفتين الذين يتكلمون اللغات المشهورة، وحاجتهم إلى وضع مجسمات للمشاعر قريبة منهم أو صور لها؛ لأن كثيرًا من المستفتين لا يتصور الإجابة عن سؤاله إلا إذا أشرت إلى هذه المناسك المصورة أمامه، فيمكن أن تشير بيدك على الصورة أو المجسم لتريه بداية الطواف والسعي، وتؤكد عليه عدم الطواف دون الحجر؛ لأن بعضهم يرغب الاختصار في الطواف، ويتصور أنه بفعله ما أتم الطواف ولا أتم الحج، وقلة هؤلاء الدعاة في بعض الأماكن رغم كثرة الحجيج، ويترتب على ذلك ازدحام المستفتين وتأخر الرد عليهم؛ مما يتطلب ضرورة زيادة عددهم، ومن أبرز المشكلات حضور بعض الحجيج إلى المشاعر وهم لم يقرؤوا شيئًا من المناسك، ولا يفقه بعضهم شيئًا من أعمال العمرة والحج، وترتب على ذلك: كثرة سؤال هؤلاء؛ لأنه يحتاج للسؤال في كل عمل من أعمال الحج؛ فيسأل عند الإحرام والسعي والحلق ورمي الجمرات والوقوف بعرفة وغير ذلك، وبكثرة أسئلته يأخذ جزءًا كبيرًا من وقت الدعاة، مع أن غيره محتاج أيضًا إلى السؤال والاستفسار، وإنفاق جزء كبير من وقت الدعاة في الشرح والإجابة؛ ذلك أن هؤلاء الحجاج يحتاجون إلى شرح مفصل من الدعاة وبيان كامل لكل أعمال الحج والعمرة، وكذلك صعوبة إفهام بعض هؤلاء الحجاج؛ باعتبار أنهم يتكلمون لغات دارجة في مجتمعاتهم.
وهناك مجموعة من الاقتراحات:
1- زيادة عدد الدعاة والمفتين في أيام الحج وتوزيعهم في الأماكن التي يزدحم فيها الحجيج، كقرب الحرم، ومنى، وعرفة، ومزدلفة.
2- توزيع الكتيبات الصغيرة المعتمدة من العلماء الموثوقين، ويكون موضوعها مختصرًا في كيفية أداء أعمال الحج والعمرة.
3- توزيع الأشرطة السمعية كذلك، ويكون موضوعها: أعمال الحج والعمرة وواجباتهما ومحظوراتهما ونحو ذلك.
4- وضع مجسمات صغيرة أو لوحات إرشادية في مكاتب الدعوة ليسهل على المفتي توضيح الأمر للسائل بالشرح على هذا المجسم أو الصورة، فيريه كيف البدء بالطواف والسعي ورمي الجمرات وغير ذلك.
5- وضع فيلم مصور عن أعمال الحج باختصار، ويكون في مكانين: في الطائرات القادمة للحج، فيُعرض الفيلم ليراه الركاب الذين يريدون الحج والعمرة، ويوضع أيضاً في شاشات بالقرب من مراكز المفتين لينظر إليها من يريد من الحجاج، ويوضح لهم بعض الأمور التي تتطلب من المقيمين شرحاً لها.
مسؤولية الجميع
أما د.فهد بن سعد المقرن الأستاذ المساعد بقسم العقيدة والمذاهب المعاصرة بكلية أصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، فيقول: إن الحشود الكبيرة التي تفد على بيت الله العتيق يتكلمون بلغات مختلفة، وكثير منهم لا يعلم كيف يؤدي الشعائر، ولا ريب أن هذا خطأ فادح ينم عن عدم الاهتمام بهذه الشعيرة، فلا يكفي الإنسان أن توجد عنده عاطفة وميل إلى الحج بل لابد مع هذه العاطفة من علم اللازم الذي لا يسع المسلم جهله في أداء هذه الفريضة العظيمة.
ومن هنا كانت الحاجة ماسة إلى مشاركة الدعاة في توعية الحجاج، ووزارة الشؤون الإسلامية تقوم بدور بارز في هذا المجال، ولكني أحسب أن هذه المهمة لا تقع على كاهل الوزارة فقط بل الواجب المشاركة الفاعلة من كل المجتمع الإسلامي في التوعية، وتبدأ التوعية من الدول التي يقدم منها الحجاج، والدول في هذا المجال على تفاوت بين المجد في هذا المجال والمقصر فيه؛ ومن هنا أرى أن مهمة الدعاة تقوم على أمور:
الأمر الأول: التوعية بأصول الدين وأركانه العامة؛ فيجب على الدُعاة في مواسم الحج أن يُعلموا ويُبينوا للناس ما يخفى عليهم وما يجهلونه؛ فيشرحون لهم أركان الإسلام، ويبينون لهم أركان الإيمان وما تستدعيه تلك الأركان من الأعمال التي هي ثمرة الإيمان، وهكذا على الدُعاة تتبع أولئك الوافدين والتأكد من سلامة عقائدهم وتحذيرهم من الشرك ووسائله ودعوة الأموات والاعتقاد في أهل القبور، وكذا التحذير من البدع التي ينتحلها الكثير من المسلمين، سواء في العقيدة أو في البدع العملية كإحياء الموالد والزيادة في العبادات بما لم يشرعه الله ورسوله؛ فإن ذلك من واجب كل عالم أعطاه الله القُدرة على البيان وحرم عليه الكتمان.
الأمر الثاني: تبصير الناس بأداء المناسك؛ حتى لا يقعوا في الأخطاء والمخالفات التي قد تبطل الحج أو تنقص منه، وهذا الواجب يجب أن يتشارك فيه المسلمون جميعاً، والواجب التناصح بين الحجاج؛ فالنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: الدين النصيحة، فمن رأى من أخيه مخالفة فعليه أن يبين له أن فعله خطأ ومخالف لسنة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وبخاصة فيما يتعلق بأركان الحج وواجباته التي هي محل اتفاق بين العلماء.
الأمر الثالث: أن الدعاة بحاجة ماسة إلى أن يتعلموا ما يسع فيه الخلاف وما لا يسع فيه الخلاف فليست كل مسائل الحج محل وفاق بين العلماء؛ فثمة مسائل اختلف أهل العلم قديماً فيها؛ فيجب على الداعية أن يراعي ذلك، وألا يلزم الناس باجتهاده في مسألة معينة، وأحسب أن وزارة الشؤون الإسلامية لو عقدت دورات للمشاركين في توعية الحجاج بخصوص هذه المسألة لكان هذا من المناسب.
وفي الختام أؤكد على دور الدعاة في الحج وحاجة المسلمين إليهم، وحاجة الحجاج بين سنة وأخرى؛ لزيادة هذا العدد للمشاركة في تعليم الناس أمور دينهم.
التعامل الميداني
ويؤكد د.محمود بن محمد المختار الشنقيطي الداعية بمركز الدعوة والإرشاد بمكة المكرمة وعضو التوعية الإسلامية في الحج: إن أثر دعاة التوعية على الحجيج بات ملموساً مشاهداً، تشهد به ألسنة الحجيج أنفسهم؛ فكم من مفهوم مغلوط صُحح، وكم من سنة أُشيعتْ، وكم من عيون لدعاة التوعية دَمعتْ، وكم من قلوب لمواعظهم أُلينتْ وخَشَعتْ، ودور الدعاة (في الجملة) مُوفق عظيم، مشكور حكيم، خال من تسييس الحج، ومن الوصاية على فكر الحاج، نعم قد تجد نسبة قليلة من دعاة التوعية فيهم تقصير أو قصور في جانب ما، أو ينقصهم الحس الدعوي الاحتسابي، لكنّ الأعم الأغلب مبدعون محتسبون، وهل يقتصر دورهم على الفتوى والإجابة عن تساؤلات الحجاج؟ طبعا لاً؛ لأن الداعية يوجد حيث وجدت الحاجة إلى دعوته؛ فتراه يلبي دعوة بعض وجهاء البعثات ويزورهم في مساكنهم، تراه أحياناً يستعين به بعض المطوفين في تخفيف حدة وغضب ونقد الحجيج الحاد؛ فيرطب القلوب ويجمع الأفئدة ويطيب الخواطر، وهكذا حيث وجدت الدعوة في أي شكل أو قالب يوجد دور الداعية.
أما عن المشكلات التي تواجه الدعاة في الحج؛ فهناك مشكلات خارجية أهمها: كيفية التعامل الميداني مع الخلاف والمذاهب والآراء الفقهية والعقدية بحكمة وتعقل؛ حتى يحتويها ويوجهها توجيهاً سليماً دون إثارة أو بلبلة أو تصادم يتفق ومنهج أهل السنة والجماعة، ومن جهود الوزارة، بتوجيه معالي الوزير الشيخ صالح وسماحة مفتي المملكة، إلقاء محاضرات تسهم في حل هذه المشكلة، أما المشكلات الداخلية في تصوري ففي النظام الإداري التقليدي (القديم) الذي لا يزال يدير شؤون التوعية والدعوة والدعاة في الحج.
التزاحم عند كبائن الفتوى
يقول الشيخ منصور بن عبدالله آل عتيق خطيب جامع والدة الأمير طلال بن سعود والداعية بمركز الدعوة والإرشاد بالرياض: إن من أكبر نعم الله على العبد أن منَّ الله عليه بنعمة الإسلام وجعل قوام الإسلام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قال تعالى: (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)، وقال تعالى: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ)؛ فجعل الله دور هذه الأمة الدعوة في سبيله، وذلك بتبيين ما أحل الله للناس وما حرم عليهم وتوضيح طرق الخير لهم؛ لعلهم يسلكونه وطرق الشر لعلهم يجتنبونه، فإن هداية الرجل على يديك دليل على رحمة الله - عز وجل -، وإكرامه لك بأن جعل لك لساناً تدعو الناس في سبيله؛ قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ. أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ)؛ يعني اليهود الذين كتموا صفة محمد - صلى الله عليه وسلم - في كتبهم التي بأيديهم؛ مما تشهد له بالرسالة والنبوة؛ فكتموا ذلك لئلا تذهب رياستهم وما كانوا يأخذونه من العرب من الهدايا والتحف على تعظيمهم إياهم؛ فخشوا - لعنهم الله - إن أظهروا ذلك أن يَتَّبعه الناس ويتركوهم؛ فكتموا ذلك إبقاء على ما كان يحصل لهم من ذلك مع الأجر العظيم الذي تناله لمن اهتدى على يديك؛ قال صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب: (لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم).
وإن من أبرز دور الدعاة: توضيح وتبيين الأحكام، سواء عن الصلاة أو الصيام أو الزكاة أو الحج وغيرها، وإن الذي نتطرق إليه في حديثنا هذا دور الدعاة في أيام الحج الذي عظمه الله - عز وجل - كما قال تعالى: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ)؛ فدورهم يكون بتبيين أحكام الحج من أركان وواجبات ومحظورات، وماذا يجب على الحاج أيام الحج، وتبيين الأخلاق الذي يجب على المسلم الحاج أن يقتدي بها ويسلكها كمسلم لا يسرق ولا يسب ولا يشتم ولا ينظر إلى ما حرم الله؛ فعَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: (كَانَ الْفَضْلُ رَدِيفَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَجَاءَتْ امْرَأَةٌ مِنْ خَشْعَمَ فَجَعَلَ الْفَضْلُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا وَتَنْظُرُ إِلَيْهِ وَجَعَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَصْرِفُ وَجْهَ الْفَضْلِ إِلَى الشِّقِّ الْآخَرِ؛ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ فِي الْحَجِّ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا لَا يَثْبُتُ عَلَى الرَّاحِلَةِ أَفَأَحُجُّ عَنْهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَذَلِكَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ) رواه البخاري، أو يزاحمهم أو يضايقهم، وغير ذلك من مبادئ الأخلاق، ومساعدة الحجاج بإرشادهم ومساعدتهم إن احتاجوا إلى ذلك، وتبصير معالم الدين للحجاج وتحذيرهم من البدع التي تشاع بينهم في الغالب، وكذلك الشرك - والعياذ بالله -، سواء بالقول أو الفعل؛ ليبتعدوا عنه ويجتنبوه.
ويجب على الدعاة أن يتحلوا باللين في الدعوة بأن يحلم عليهم ولا يجافي بهم ولا يشق عليهم ويلطف بهم؛ لأن الناس مختلفون في فهمهم وإدراكهم؛ فعليك الصبر بهم؛ فإن الصبر سمة الصالحين المؤمنين والعلماء الربانيين، وهذه صفة النبي - صلى الله عليه وسلم - مع أصحابه، ما كان جافياً بل كان يرد على أصحابه باللين واللطف، رفعت إليه امرأة صبياً؛ فقالت: ألهذا حج؟ قال: نعم، ولك أجر؛ فهذه هي صفة الداعي في الله؛ فلابد أن يكون ذا خلق رفيع يقتدي به الناس أيام الحج، ولا يقول شيئاً ويخالفه، بل سمته سمات المتبع المقتدي الذي يقول ويفعل، ولا يكون له صفة أهل النفاق الذين يقولون ما لا يفعلون.
وأما أبرز ما يقع الدعاة فيه من مشكلات أيام الحج:
1- مضايقة الحجاج عند كبائن الفتوى والتزاحم لأجل السؤال، وهذه دائماً يقع فيها الدعاة في إحراج من قبل الحجاج.
2- قلة الدعاة مع كثرة الناس أيام موسم الحج الذي يتوارد فيه الأعداد الضخمة من الحجيج والتي تتزايد موسمًا بعد آخر.
3- التعب الشديد الذي يناله الدعاة أيام الحج لعدم استخلاف المناوبات بينهم للراحة التامة، لكن يقال هذا المعمول به، لكن نقول إن عدد الساعات التي يعملها ذلك الداعية قد تكون تعباً وعناءً عليه.
4- ازدياد الكبائن الخاصة بالفتوى في جميع منى ولا تقتصر على مكان دون آخر، فإن هذا تعب وشقاء على الحاج لأنه لربما يبحث عن مكانها؛ فيتطرق إلى السؤال لرجل قد يكون جاهلاً بأمور الدين أو لأي شخص آخر، وخاصة هؤلاء الوافدين إلى بيت الله، لا يعلم من يسأل، فإذا رأى شخصاً سأله، وهذا من أبرز ما يقع في مشكلاته الدعاة عندما يسأل هذا بعد علمه بالكبائن وقد أعطي فتوى سابقة من قبل شخص قد لا يكون لديه علم بالأحكام ثم يسأل أهل العلم فيقول الحاج: لمَ الفتوى متغيرة؟!
5- عدم وجود جميع اللهجات في كبائن الفتوى لربما يسأل رجل لا يحسن العربية، فلا يستطيع الداعية إجابته؛ لعدم علمه، فلو وُضع في الكبائن أشخاص دعاة يعلمون عن لغة هؤلاء لكان أفضل.
تعليم الحجيج
ويقول الشيخ محسن بن سيف الحارثي عضو الدعوة والإرشاد بفرع وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد بمنطقة بنجران: إن الوزارة تهتم بتمكين من تراه الأصلح في تعليم الحجاج أمور دينهم وتعمل على تكليف الدعاة وتفريغهم من أجل خدمة حجاج بيت الله الحرام واستقبالهم بالمنافذ البرية والمطارات الجوية ومكان إقامتهم بمكة والمدينة، ويقوم هؤلاء الدعاة بتعليم الحجاج أمور دينهم عن طريق الدروس العلمية التي تغرس مفاهيم العقيدة الصحيحة المستمدة من الكتاب والسنة وهدي السلف الصالح وكذلك إقامة المحاضرات والندوات والإجابة عن استفسارات هؤلاء الحجاج؛ حتى يتمكن الحاج من أداء النسك على الوجه الصحيح؛ لينعم بحجة مباركة كحجة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، والدعاة لهم دور كبير وفعّال؛ فهم ينتهزون هذه الفرصة العظيمة في اجتماع الناس من كل حدب، وذلك لتعليمهم ودعوتهم إلى المنهج الصحيح، وكذلك يتم تكليف بعض الدعاة والمترجمين باللغات المختلفة لتعريف غير متحدثي اللغة العربية بفريضة الحج.