الرياض -(الجزيرة):
قال سماحة المفتي العام للمملكة العربية السعودية ورئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ: إن الحج من أعظم وأجل مواسم الخير والعبادات فرضه الله على عباده القادرين مرة في العمر لحكم وأسرار وغايات ومقاصد عظيمة قد ندرك بعضها ويخفى علينا الكثير منها، وقد يغفل بعض طلاب العلم عن استثمار مقاصد الحج التي شرع من أجلها مما يضعف أثر الحج في تهذيب النفوس، وتقويم الأخلاق، وإصلاح المجتمعات.. ومن رحمة الله بعباده أن جعل موسم الحج يتكرر كل عام ليشهدوا منافع الحج الدينية والدنيوية التي لا يخلو موسم كل حج منها، سواء كان ذلك للحجاج، أو لأهل مكة.
جاء ذلك في مستهل حديث لسماحته عن: (مقاصد الحج) التي قال: إنها كثيرة لا تحصر ومن أهمها: تحقيق التوحيد وإخلاص العبادة لله تعالى، إذ إن توحيد الله وإخلاص العبادة له هو الهدف الأسمى، والغاية العظمى، والمقصد الأسنى من الحج، وما ذلك إلا لأن توحيد الله وإفراده بالعبادة هو الأصل الذي تبنى عليه سائر العبادات من حج وغيره ولذلك أمر الله خليله إبراهيم عليه السلام بإخلاص العبادة له وحده، وبناء بيته الحرام على التوحيد، وتطهيره من الرجس والنجس، والأوثان، والشرك، وذلك ليكون مبوأً للحجاج والعمار، ومهيئاً لعبادة الله وحده، قال الله تعالى: {وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لَّا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} (26) سورة الحج.
وأردف سماحته يقول: إن في الحج تتجلى العبودية لله وحده، وتظهر العلاقة واضحة بين الحج والتوحيد، فمناسك الحج كلها قائمة على التوحيد لله، فالحاج من حين خروجه من بيته تاركاً أهله ووطنه، مودعاً ملذات الدنيا ومتجرداً من ملابس الزينة إنما يفعل ذلك امتثالاً لأمر الله وحده، فحين يحرم بالحج أو العمرة، ويدخل في نية النسك، ويهل بالتلبية شعار الحج فإنه يقر بتوحيد الله عز وجل، وإخلاص العبادة له وحده وكذلك سائر أعمال الحج ومناسكه من الالتزام بمحظورات الإحرام، وفعل ما أمر الله به، وترك ما نهى عنه، ومن الطواف، واستلام الركن اليماني، والحجر الأسود وتقبيله، وسعيه بين الصفا والمروة، ورمي الجمار والحلق أو التقصير، وذبح النسك، والوقوف بعرفة، والمبيت بمزدلفة، والمبيت بمنى ليالي أيام التشريق، وطواف الوداع وما يقال في ذلك من الأذكار والأدعية الواردة في ذلك إنما يفعل ذلك من بداية حجه إلى نهايته مخلصاً لله في عبادته إيماناً به وحده، وممتثلاً أمره وحده.
وأضاف سماحته: كما أن وقوف الحاج في صعيد عرفة بلباس واحد مكشوفي الرأس وقد تحملوا المشاق في سبيل حجهم يتذكر الحاج وقوف الناس بين يدي الله يوم القيامة فيزيد إيمانه، وتعلقه بالله، وخوفه وخشيته منه فيقوى توحيده، فأعمال الحاج وأقواله تنطق بالتوحيد ومن أظهر ذلك وأفضله يوم عرفة والدعاء فيه لما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (خير الدعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير).. فهذا تقرير وإعلام من النبي صلى الله عليه وسلم في هذا اليوم المبارك، وهذا الجمع العظيم بأن يستشعر الحاج مدلول هذه الكلمة الجامعة لتوحيد الله وإفراده بالعبادة، ويعمل بمقتضاها في مناسك حجه، وسائر عباداته، مع الإخلاص لله تعالى في ذلك حتى يتقبل الله منه، ولا يكون مقصده الرياء، أو السمعة، أو المباهات أو المفاخرة، ولذلك جاء عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم حج على رحلٍ رث، وقطيفة ما تساوي أربعة دراهم، وقال (اللهم اجعلها حجة لا رياء فيها ولا سمعة).
أما المقصد الثاني من مقاصد الحج - يواصل سماحته قائلاً -: إقامة ذكر الله وشكره تعالى: المقصود بذكر الله تعالى هو الذي يؤثر في القلب، ويزكيه، ويطهره، وتظهر آثاره على جوارح الإنسان، وليس مجرد قول اللسان مع غفلة القلب، وذكر الله سبحانه، ودعائه، وشكره، والثناء عليه، والاعتراف له بالفضل والمنة هو المقصود الأعظم من العبادات، وهو من أكبر مقاصد الحج، فلا يخلو نسك من مناسك الحج من ذكر الله تعالى، فالإحرام وهو نية الدخول في النسك ذكر لله بالقلب، والاهلال وهو رفع الصوت بالتلبية ذكر لله باللسان، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أفضل الحج العج والثج)، والعج: رفع الصوت بالتلبية، والثج: إراقة دم النسك والهدايا لله وحده، ويجب ذكر الله بالتسمية عند ذبحها، وجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إنما جعل الطواف بالبيت، وبين الصفا والمروة، ورمي الجمار لإقامة ذكر الله) أخرجه الإمام أحمد والترمذي وأبو داود.
كما شرع الله الذكر في يوم العيد، وأيام التشريق، قال تعالى: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ}، وحث الرسول صلى الله عليه وسلم على الذكر والإكثار من الدعاء يوم عرفة، وعند المشعر الحرام بمزدلفة بعد صلاة الصبح، كما يشرع له الذكر عند رمي الجمرات، ويكبر مع كل حصاة، ويدعو الله بعد رمي الجمرة الأولى والوسطى، ويختم حجه بطواف الوداع وهو ذكر لله تعالى ويشرع له فيه الذكر، والدعاء، وقراءة القرآن، فالحج من بدايته حتى نهايته ذكر لله يذكره أثناء أداء نسكه، ويذكره بعد الفراغ منه، وفي صلاته وفي جميع أحيانه، قال الله تعالى: {فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُواْ اللّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} إلى قوله: {فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُواْ اللّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا}، فذاكر الله متعلق قلبه بالله وحده، مخلص عبادته لله وحده، قال تعالى: {وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ}.
ويواصل سماحة المفتي العام للمملكة قائلاً: ومن المقاصد تطهير النفس وتزكيتها، وتهذيبها من الأخلاق المذمومة، فمن من مقاصد الحج العظيمة تعويد النفس على الأخلاق الحسنة وتزكيتها، وتطهيرها من الأخلاق السيئة، والصفات المذمومة والنهي عنها، قال الله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ} الآية، فالله سبحانه نهى عن الرفث وهو يشمل الجماع، والتعريض بذكره، ويدخل في ذلك الفحش واللغو من الكلام.
كما نهى عن الفسوق والمراد به المعاصي عموماً كما ذكره أكثر المفسرين فيدخل فيه السب والشتم، والتفاخر بالأنساب، والتنابز بالألقاب، وارتكاب سائر المحرمات، والآثام، ومن أعظم الفسوق وأكبر الذنوب استغلال موسم الحج للمظاهرات، والشعارات القومية، أو تمجيد بعض الزعماء، أو الدعاية لبعض الأحزاب وهذا من فعل الجاهلية الأولى، كما نهى سبحانه عن الجدال وهو المخاصمة، والمنازعة، والممارات، والسباب وسوء الأخلاق، وهذه المنهيات وإن كان محرمة في غير الحج فهي في موسم الحج أشد حرمة، وأعظم جرماً لشرف الزمان وفضل المكان، ولما يترتب عليها من المفاسد العظيمة، وربما أدت إلى إلحاق الأذى بالحجاج وإفساد حجهم وتعكير صفو الحج، ولعدم الوقوع في ذلك حرص الإسلام على تهذيب النفس وتزكيتها، وتعويدها على الأخلاق الحسنة حتى تسمو النفس، وتعلو الهمة، وتترفع عن الشهوات المهلكة والشبهات والفتن المضلة، وحث على التزود بزاد التقوى التي عليها مدار النجاة وقبول العمل، قال الله تعالى: {وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى}.
وأضاف سماحته: ومن المقاصد تعظيم حرمات الله وشعائره، فمن مقاصد الحج العظيمة أن يكون الحاج وغيره معظماً لحرمات الله، وشعائره، فيؤدي ما يتعلق بها على أكمل ما يجب نحوها، ويبتعد عن انتهاكها، أو الإخلال بها، وعدم إرادة السوء والأذى بوفد الله من الحجاج والعمار، أو بيته، أو الإخلال بأمن الحج، ويكون تعظيمها أيضاً بأن يكون ارتكابها عظيماً في نفسه، وذلك دليل وعلامة على كمال إيمانه، وتقوى قلبه، وقد وعده الله بالثواب الجزيل، والخير الكثير، قال الله تعالى: {ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ}، وقال تعالى: {ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ}، والمقصود بحرمات الله كل ما له حرمة مما أمر الله باحترامه من العبادات، والمناسك، والحرم، والحجاج، والهدايا، والمقصود بشعائر الله أعلام الدين الظاهرة لاسيما ما يتعلق بالمناسك، ولا يكون تعظيم حرمات الله وشعائره إلا بالتعظيم القلبي لها مع حبه لذلك وتطبيقها إجلالاً لله وتعظيماً له الذي أمر بها، لأن مجرد القيام بمناسك الحج دون استشعار ذلك تكون حركات خاوية كالجسد بلا روح.
وواصل سماحة الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ قائلاً: ومن المقاصد ضبط النفس وتعويدها على الصبر: من مقاصد الحج المهمة أنه يروض النفس، ويعودها على النظام والصبر، وتحمل المشاق، وخشونة العيش وما يلاقيه الحاج من الأذى إذ لا تخلو رحلة الحج من ذلك، لذلك لابد أن يحتسب الحاج ذلك عند الله، ويبتغي به وجه الله والدار الآخرة، ويعلم أن ذلك كله في سبيل الله فيصبر لأجل ذلك، ويتحقق له فضيلة الصبر بجميع أنواعه الثلاثة صبر على طاعة الله بفعل مناسك الحج وسائر العبادات، وصبر عن محارم الله مما نهى الله عنها من المعاصي والمحرمات، ويدخل فيها كل ما حرم عليه بالإحرام من محظورات الإحرام، وصبر على ما يلحقه من المشقة والتعب، وما يلاقيه من الأذى والزحام من بعض الحجاج وذلك داخل في الصبر على أقدار الله.
وزاد سماحته قائلاً: من مقاصد الحج توحيد كلمة المسلمين، وتحقيق المساواة والمواساة، والأخوة بينهم وذلك من أظهر مقاصد الحج وأعظمها، فالحج مؤتمر إسلامي كبير، وأكبر تجمع على وجه الأرض تتجلى فيه الوحدة والأخوة الإسلامية، فالجميع بلباس واحد أبيض هو لباس الإحرام، لا تستطيع أن تفرق بين الغني والفقير، ولا بين الشريف والوضيع، ولا بين الرئيس والمرؤوس، الجميع يهتفون بتلبية واحدة، ويؤدون مناسك عبادة واحدة في صعيد واحد، لا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى والعمل الصالح، فالجميع سواسية كالجسد الواحد تحت راية واحدة هي راية التوحيد، والأخوة الإسلامية، والقلوب مشرئبة، والفرصة مهيأة للمسلمين أكثر من ذي قبل للتعارف والتقارب فيما بينهم، والتعاون على البر والتقوى، والتراحم، ومواساة الفقير ومد يد العون للمحتاج، كما أنه فرصة سانحة لقادة الأمة الإسلامية ووفودها لاستثمار هذا الجمع المبارك والموسم العظيم، والاستفادة منه بدراسة أحوال المسلمين في شتى أنحاء العالم والتعاون بينهم وتبادل المصالح، وحل مشاكلهم وقضاياهم، وتوحيد كلمة المسلمين، وإشاعة روح التسامح، والتكافل الاجتماعي، والتضامن الإسلامي بينهم، وعقد المؤتمرات، والندوات التي تدعم ذلك، وبذلك يعود للأمة الإسلامية عزتها، ومنعتها وهيبتها لاسيما بعد أن تكالبت عليها الأعداء من كل جهة وسعوا لتمزيق الأمة الإسلامية وتفريقها، وبعد أن مزقتهم الفرق الضالة، والأحزاب المتناحرة قال الله تعالى: {وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ}.
واستمر سماحته قائلاً: ومن مقاصد الحج الكبرى تحقيق الأمن بمعناه الشامل، فالأمن نعمة من نعم الله التي تفضل بها على عباده لا يمكن أن تستقيم أمور الناس في معاشهم ودنياهم وأداء عبادتهم بدون حصول الأمن، ولذلك دعا الخليل إبراهيم عليه السلام بأن يعم الأمن مكة كلها، قال الله تعالى: {رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا}، وقد استجاب الله له، قال تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ}, ومن أجل ذلك حرم الله مكة وجعل مجرد إرادة الإلحاد والهم بالمعصية فيه موجب لعذاب الله الشديد، قال تعالى: {وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ}، وحرم الله مكة فلا يسفك فيها دم ولا ينتهك فيها حرمات الله وشعائره، كما حرم الفسوق والجدال في الحج وذلك حرصاً من الإسلام على إشاعة الأمن بين الحجاج لأداء حجهم في يسر وسهولة وطمأنينة.
ومضى سماحته قائلاً: من مقاصد الحج تذكر حال الأنبياء والمؤمنين وما كانوا عليه من قوة إيمانهم، وصبرهم ويقينهم، وتوكلهم على الله سبحانه، فنتذكر توحيد إبراهيم الخليل عليه السلام وهجرته إلى ربه، وبناء بيته على التوحيد، وتطهيره من الرجس والنجس، واستسلامه للخطب الجسيم والبلاء العظيم في تنفيذ أمر الله بذبح ابنه إسماعيل، وطاعة ابنه له امتثالاً لأمر الله، وعندما نسعى بين الصفا والمروة نتذكر أم إسماعيل هاجر عليها السلام عندما نفد ما معها من ماء وزاد، وأخذت تسعى بين الصفا والمروة وترقى عليهما لعلها تجد ماءً لتدر اللبن لابنها إسماعيل، وعندما نرمي الجمرات نتذكر موقف إبراهيم عليه السلام وابنه عندما تعرض لهما الشيطان فوسوس لهما في موضع الجمرات الثلاث وهو يرميه في كل مرة بالجمرات، إننا حينما نتذكر هذه المواقف الإيمانية المشرقة ونحن نؤدي مناسك الحج يزداد إيماننا ويقيننا ويدفعنا ذلك إلى الجد والإخلاص في القول والعمل.
ومن المقاصد يواصل سماحته قائلاً: تحصيل المنافع الدينية والدنيوية، فشهود المنافع وتحصيلها هي المطلب الرئيس، والمقصد العام للحج الذي يشمل جميع ما ذكر سابقاً من المقاصد، ويشمل غيرها من منافع الدنيا والآخرة، قال الله تعالى: {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ} وقال تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ}، والمنافع الدينية هي الأصل والمقصد الأول، وأما المنافع الدنيوية فتبع لذلك، ولا حرج فيها إذا لم تشغل عن تحصيل المنافع الدينية.
وأردف سماحته يقول: ومن المنافع الدينية: أن الحج سبب لتكفير السيئات، ومضاعفة الحسنات، ودخول الجنة وسبب لإجابة الدعاء، والعتق من النار، وبلوغ درجة المتقين، وغير ذلك من الثواب الجزيل، والأجر العظيم، ويدل لذلك قوله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن العاص رضي الله عنه عندما أسلم: (أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله، وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها، وأن الحج يهدم ما كان قبله)، وقوله صلى الله عليه وسلم: (من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه)، وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة)، وقال صلى الله عليه وسلم: (الحجاج والعمار وفد الله دعاهم فأجابوه، وسألوه فأعطاهم)، وقال صلى الله عليه وسلم: (ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة) أخرجه الإمام مسلم، وقال الله تعالى: {ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ }، وقال صلى الله عليه وسلم: (صلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه).
وأضاف سماحة الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ يقول: ومن المنافع الدنيوية: ما يحصل لأصحاب التجارة، وأهل مكة من المكاسب المادية في تجارتهم، وكذلك ما يحصل من الاستفادة من لحوم الهدي والفدية والأضاحي من الأكل والإهداء والصدقة لأهل مكة وغيرهم حيث يتم في الوقت الحاضر توزيعها خارج مكة، وخارج المملكة على الفقراء، والمحتاجين، وفي ذلك تحقيق للتكافل الاجتماعي بين المسلمين، وكذلك ما يحصل في موسم الحج من تبادل المصالح بين المسلمين، والتعارف بينهم والتعاون، واكتساب الخبرات، وطلب العلم، وعقد المؤتمرات والندوات التي تسهم في حل مشاكل المسلمين، وتعالج قضاياهم وهمومهم.
وخلص سماحته إلى القول: هذه بعض مقاصد الحج العظيمة، ومنافعه المهمة، ولكي يستفيد الحجاج منها، وتنعكس عليهم آثارها وفضائلها لابد لكل من يؤم هذا البيت الحرام أن يعظم حرمات الله وشعائره، وأن يستشعر عظمة هذا البلد الأمين، وقدسية هذه البقاع المباركة، وحرمة بيت الله المطهر، ويستشعر أن الذنوب والسيئات تضاعف فيه كما تضاعف الحسنات لشرف الزمان، وفضل المكان، ويجب على الدعاة وطلبة العلم بيان هذه المقاصد للحجاج، وشرح معانيها السامية، ومغازيها العظيمة فإن غالب الحجاج يجهلونها، وهي في الحقيقة بمثابة الروح للجسد، وبدونها تكون مناسك الحج حركات خاوية بلا معنى، فيرجع الحاج لم يؤثر الحج في تهذيب سلوكه، ولا تزكية نفسه، بل قد يرتكب نتيجة لجهله بها بعض الممارسات الخاطئة، والبدع الضالة، والمعتقدات الفاسدة، مما يكون سبباً في نقصان أجره، أو فساد حجه، أو القدح في عقيدته.
وقال سماحة المفتي العام للمملكة - في ختام حديثه عن مقاصد الحج -: أسأل المولى جل وعلا بفضله وكرمه أن يتقبل من الحجاج حجهم وسائر عباداتهم، وأن يجعله حجاً مبروراً، ويردهم إلى بلادهم سالمين من كل سوء ومكروه، غانمين لكل خير وبر وهدى، فيرجعون كما ولدتهم أمهاتهم قد غفرت ذنوبهم ومحيت خطاياهم، ورفعت درجاتهم في جنات الفردوس الأعلى، كما أسأل البارئ سبحانه أن يوفق ولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله ابن عبدالعزيز، وولي عهده الأمين، والنائب الثاني لكل ما فيه خير للإسلام والمسلمين وحجاج بيته الكريم، وأن يعينهم على كل ما وكل إليهم، وأن يرزقهم البطانة الصالحة، وأن يوفقنا وإياهم وجميع المسلمين لإصابة الحق، والبصيرة في دين الله والثبات عليه حتى نلقاه.