لقد حز في نفسي ما سمعته من أحد الأجانب في يوم من الأيام، بأن السعوديين غير متحضرين، وعندما سألته لماذا؟ قال: زرت ودياناً كثيرة في الجزيرة العربية، وأن وديان المملكة وبراريها من أقذر الوديان والبراري في الجزيرة العربية، وأن أغلب من يرتاد الصحراء والبراري
من السعوديين والوافدين غير متحضرين لأنهم يتركون مخلفاتهم في المكان الذي يخيمون فيه، وعندما انتهى من حديثه، لم أستطع أن أدافع عن تحضر بعض السعوديين.
وبالطبع، لا يرضى بذلك كل غيور على هذا البلد المعطاء من مسؤول أو مواطن أو وافد يعمل فيها، ولذلك علينا جميعاً خصوصاً المسؤولين في بلادنا، التفكير بكيفية، غرس حب الوطن في قلوب الجميع، وأعني بحب الوطن كل ما يمسه، بحيث يكون الناتج في النهاية شعباً متحضراً واعياً، غيوراً على بلده، بكل مفهوم.
وزرع مفهوم نظافة البيئة والمجتمع في نفوس الطلاب، هي أهم نقطة لتحضر الشعوب، وقد لا نتصور حجم ما سنوفره في المستقبل من جهود وأموال تقدر بالبلايين، نتيجة الوعي البيئي لأن أطفال اليوم هم شباب الغد وهم آباء المستقبل وبعضهم سيصبح مسؤولاً في بلادنا، لذلك ولتحسين صورتنا أمام الآخرين ولنحافظ على نظافة بلادنا وعدم خدش كرامتنا، ووصفنا بأننا غير متحضرين، علينا أن نغرس مفهوم البيئة وحب الوطن لدى جميع طلابنا، وأن نحرص على نظافة صحاري وبراري ووديان بلادنا الحبيبة.
والتساؤل هل بإمكان أشخاص ليس لهم علاقة بالبلديات أو بالرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة من القيام بأعمال عظيمة لخدمة البيئة السعودية؟
وللإجابة عن ذلك أقول: نعم، بإمكان طلاب المدارس والجامعات من عمل ذلك، فمثلا هل تصدق أن بإمكان تلاميذ المدارس والجامعات السعودية بقيادة هيئة الأرصاد وحماية البيئة وكل من وزارة التعليم العالي والتربية التعليم أن يتحدوا أي جهة في العالم، من حيث إمكانية القيام من مختلف مقاطعات المملكة العربية السعودية بخدمة البيئة، وذلك بالعمل على خفض استهلاك الطاقة وغاز ثاني أكسيد الكربون ونظافة البيئة إلى حد يفوق أي برامج يمكن أن يعلن لذلك.
فهل تصدقون أن في وسع هؤلاء الطلاب والتلاميذ مثلاً، أن يتعهدوا بخفض استهلاك الطاقة في مدارسهم وجامعاتهم بنسبة عشرة في المئة خلال سنة دراسية، وكذلك خفض واختصار إطلاق غاز ثاني أكسيد الكربون من السيارات والمنشآت الجامعية والمدرسية ومن منازلهم إلى الجو بمقدار أكثر من عشرة ملايين كيلوجرام، وأن يقوموا بتنظيف البيئة في مدارسهم وجامعاتهم وما يحيط بها.
والهدف من التحدي هو إثبات إمكانية عمل أكثر ما هو معلن ومثبت من الالتزام به من برامج بيئية، حيث التزمت وتعهدت الحكومة السعودية بخفض انطلاق ثاني أكسيد الكربون من منشآتها بجانب التزامات بيئية أخرى.
حيث إن جميع دول العالم ومنها المملكة العربية السعودية تعهدت في مؤتمر الأرض بمدينة ريو دي جانيرو البرازيلية ومؤتمرات أخرى بخفض كمية ما ينطلق للجو من ثاني أكسيد الكربون.. بجانب التزامات أخرى نحو البيئة.
وسوف يثبت التحدي الطلابي أن ما ستفعله حكومة المملكة خلال مدة التزامها يستطيع تلاميذ المدارس والجامعات تحقيقه خلال مدة أقصر مما سيفتح الباب أمام زيادة السعودية لالتزاماتها البيئية، وهذا يعني أن طلاب المدارس والجامعات لديهم الإمكانية لعمل أعمال عظيمة للبيئة.
وهذا بلا شك يثبت أنه بإمكان الطلاب والطالبات، وبإمكان أفراد الجيش، وأفراد الحرس الوطني، ورجال الشرطة، والمؤسسات العامة والخاصة وبإمكان كل مواطن ومواطنة أن يخدموا بلادنا، وعلى الأقل بأن يساعدوا في جعلها نظيفة، فالجميع في هذه البلاد الطاهرة بحاجة إلى توجيه وتحفيز.
والتوجيه نحو العمل البيئي يجب أن ينبع من كل مسؤول في بلادنا وهذه هي المواطنة الحقيقية للمسؤولين، كل حسب مقدرته واستطاعته.
فمثلاً صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز حفظه الله وعافاه وأرجعه سالماً، تبرع لجامعة الملك سعود بمبلغ 12 مليون ريال لإنشاء مركز لأبحاث البيئة في وقت سابق.
كما وجه صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله، بتنظيف البراري ووادي حنيفة الذي يعد واجهة لمدينة الرياض، والعمل انتهى ولدينا الآن وادٍ نظيف يختلف كلياً عن الوادي السابق، وبراري أنظف، والمسؤولون في المنطقة الشرقية قادوا حملات سابقة لتنظيف سواحلنا الشرقية من التلوث وغيرهم كثير ممن ساهم في خدمة البيئة ويشكرون على ذلك ولو أنه واجبهم، ولا شكر على واجب.
وذلك حبذا لو كل أمير منطقة أو محافظة في بلادنا وجه بتنظيف الوديان والبراري المحيطة التي تدخل تحت إمرته، لرأيت بلداً آخر تضرب به الأمثال، نعم، ولماذا لا، هل خدمة الوطن وتنظيفه عيب، نعم إنها مسؤوليتهم، وعليهم القيام بها.
إنني دائماً أحلم ببلد لا يوجد مثله، وأتمنى والأماني كثيرة لكن كل ما أطلبه وأرجوه من الله عز وجل هو أن يوفق الله أولي الأمر في بلادنا ويسدد خطاهم لما فيه الخير، ويرزقهم البطانة الصالحة التي تسهر على رفعة بلادنا بين الأمم لنكون مثالاً نحتذى به.
كما أن التحفيز يزيد من العطاء، فمثلاً لو أن صاحب السمو الملكي وزير البلديات، أطلق مثلاً جائزة سنوية تحفيزية، بإصدار قرار ينص على أن جزءاً من مشاريع الوزارة للسفلتة ستوجه للمدينة أو القرية الملتزمة بحماية البيئة، والنظافة تعمها في داخلها وخارجها أي ما يحيط بها من مساحة في حدود خمسين كيلومتراً ويكون موعد الجائزة قبل موعد وضع الميزانية في كل عام، تصور ماذا يمكن أن يحدثه ذلك الحافز من تحديات أمام أمناء ورؤساء البلديات في بلادنا.
والحوافز كثيرة، مثل الاختيار كل عام، لرجل البيئة، ومدرسة العام لخدمة البيئة، وطفل البيئة الأول، وسيدة البيئة الأولى، والشركة أو المؤسسة أو الهيئة الأولى في خدمة البيئة، والصحيفة اليومية التي تطرح مواضيع بيئية كثيرة لتوعية أكبر شريحة من المجتمع وغير ذلك، وذلك يمكن أن يحدث على مستوى كل من الهجر والقرى والمدن والمقاطعات والمحافظات والمناطق، والمدارس والجامعات وغيرها، المحفزات كثيرة، لكن هل تتحقق الأماني وتصبح حقيقة.
وأمنيتي الأخيرة حقاً أن يعمل الجميع من القلب لخدمة هذه البلاد العزيزة على قلوبنا جميعاً كل في مجاله، ليصبح شعبنا مضرب الأمثال بالوفاء بين الأمم.
ويجب أن يتذكر الجميع، أن ما ألطفه من قول، حين يقول الناس عنك إنك كريم معطاء تحب بلادك، وما ألطفه من نوم، حين تنام قرير العين، وأنت تشعر بسعادة حقيقية عظيمة، بعد أن تكون قد حققت لبلادك حلماً.
والمواطنة الحقيقية لأي مسؤول ومواطن هي مجموعة الأعمال التي يقوم بها نحو الوطن من أجل تقدمه، ومنها على الأقل المحافظة على بيئته مما قد يؤثر في مسيرته نحو الرقي والتقدم، والله يحفظكم جميعاً ذخراً لهذه البلاد، وعوناً لها لتصبح الأجمل بين الأمم.
والله من وراء القصد.
عضو لجنة الصحة والبيئة بمجلس الشورى
aazk09@gmail.com