فلو أن الإنسان: رجلاً كان أو امرأة: كررا لا إله إلا الله، مرات عديدة، وأتيا أو أحدهما بناقض من نواقض الإسلام العديدة كترك الصلاة، أو واحد من أركان الإيمان، أو أسماء الله وصفاته، أو لا يوجد جنة ولا نار، أو أن صاحب القبر يعلم الغيب، ويستحق ان يصرف له شيء من أنواع العبادة، وغير هذا ما هو من شروط لا إله إلا الله..
..فإنه لا يصبح معصوم الدم بنطقه ب: لا إله إلا الله، الملازم لها شهادة أن محمداً رسول الله، يقول صلى الله عليه وسلم: في حديث أورده ابن عمر وجاء في الصحيحين عن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله عزّ وجل).
لأن معرفة أن لا إله إلا الله، لا يكفي النطق بها فقط، بل لا بد من العمل بمقتضاها: عقيدة وعملاً: فلا نشرك معه غيره في الدعاء، والرجاء، ولا في التقرّب أو التوّسل، ولا في الذبح والقرابين، ولا نجعل بيننا وبين الله واسط في أي نوع من أنواع العبادات، ولا نجحد أو نكذّب بشيء من لوازم الإسلام، لأن كل ذلك من حق أن لا إله إلا الله، لأن الله سبحانه قريب مجيب. ويحب أن يعبد بما شرع، جاء في الحديث القدسي: وما تقرّب إليّ عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه) إلى آخره.
فالله سبحانه قريب الدعاء، فالوسطاء من أصحاب القبور وغيرهم لا يستطيعون دفع الضر عن أنفسهم ولا جلب الخير لغيرهم أو لأنفسهم، فكيف يطلب منهم ما لا يقدرون عليه، والمنافقون يشهدون أن لا إله إلا الله، ولم تنقذهم من النار لأنهم لم يؤدوا حقها، والمسلم إذا كان مضطراً أو مكروباً، فعليه أن يستحضر قول الله سبحانه {أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ}(النمل آية 62)، وقوله عز وجل: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي}(البقرة 186)، ويقول صلى الله عليه وسلم من حديث عند البخاري (واعلم أن أهل الأرض، أولهم وآخرهم وأنسهم وجنهم لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولا يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رُفعت الأقلام وطُويت الصحف) ينظر كاملاً في صحيح البخاري.
فالوسطاء الذين يتخذهم بعض الجهّال بحقيقة (لا إله إلا الله) لا يستطيعون كشف الضر، ولا جلب السعادة ولا زيادة أموال من دعاهم، ولا غير ذلك، وإنما القادر على ذلك هو الله سبحانه: الخالق الرازق، المحيي المميت القادر على كل شيء، والوسطاء فاقدون القدرة، وفاقد الشيء لا يعطيه، والتعلّق بهم من دون الله مبطل للعمل، يقول سبحانه:{إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} (فاطر 14)، فحقيقة الوحدانية مع الله: المعرفة اليقينية، والانصراف القلبي: إحساساً وعقيدة وعملاً، لله جلّت قدرته بجميع الأعمال القولية والفعلية لمستحقها وهو الله عز وجل بجميع الحواس، خالصة دون مشاركة لبعض المخلوقات، مهما كانت، لأن هذه المشاركة، مع بعض المخلوقات مهما كانت تُفسد العمل، وتُبطل الأجر، لأن الله سبحانه كما مر بنا لا يقبل من الأعمال، إلا ما كان خالصاً لله نقياً مما يخدشه أو يؤثر في نقاوته: ولو بالشيء القليل: نية أو عملاً أو نفقة مدخلها مشبوهاً.. فالله لا يحب إلا ما كان طاهراً نقياً.. واقرأ يا أخي المسلم بتمعن وإدراك قول الله سبحانه: {إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ}(المائدة 72). وقوله جلّ وعلا: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء}(النساء 48).
ولما كان الله سبحانه قد نهانا أن وعن اتباع أهل الكتاب، وغضب صلى الله عليه وسلم، لما رأى في يد عمر بن الخطاب رضي الله عنه صحيفة من التوراة، وقال: أفي شك مما جئت به يا ابن الخطاب، والله لو كان موسى حياً لما وسعه إلا اتباعي)، فرماها عمر رضي الله عنه، وقال: آمنت بالله، وبما جاء به رسول الله.
فإن كثيراً من عادات وتعديلات، أهل الكتاب، قد تغلغلت في ديار المسلمين، ومع الجهل وغلبة المستعمر أُخِذت على أنها من الإسلام، يحسبونها تقربهم إلى الله زلفى، وهي تتباين وتتناقض مع دلالة وحقيقة لا إله إلا الله، لأن ديننا غير دينهم، وعقيدتنا غير عقيدتهم، فنحن نؤمن بالتوراة والإنجيل، لكن لما كانوا قد غيّروا وبدّلوا، وكذبوا على الله جاء القرآن الكريم، وجاءت شريعة الله التي أنزلها الله على محمد صلى الله عليه وسلم مبيّنة لحقيقة ما جاء به أنبياء الله كلهم، وموضحة ما كذبه أهل الكتاب على الله مما ينافي حقيقة لا إله إلا الله محمد رسول الله، كما أخبرنا الله عنهم في آيات كثيرات من كتابه العظيم، ويحرِّفون الكلام عن مواضعه، فادخلوا الوثنية في ديانتهم، فقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى عيسى بن مريم ابن الله - قال الله عن ذلك، وغيّروا وبدّلوا: {لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ.. الآية}(آل عمران 78)، وكما جاء وفد نصارى نجران لرسول الله في المدينة قال لهم: أسلموا، قالوا: نحن مسلمون، فأعاد عليهم فقالوا: أسلمنا قبلك، فدخل بيته ثم خرج ومعه علي والحسن والحسين وأهله فطلب منهم المباهلة، وهو يتلو هذه الآية: {فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَج} آل عمران 61) فقال زعيمهم العاقب، يا قوم والله ما باهل أحد نبينا إلا أهلكهم الله ولكن احتالوا لكم حيلة، فاتفق رأيهم أن يطلبوا من رسول الله مهلة ليراجعوا أنفسهم، فانظرهم رسول الله (تراجع الحكاية في كتب التفسير بتوسع). وعديّ بن حاتم الطائي، لما جاء مُسلماً، قال له رسول الله: وان تترك عبادة كبراءكم وعبادكم؟ قال: إننا لا نعبدهم، فقال له: أليسوا يحرمون ما أحل الله، فتحرمون، ويحلون ما حرم الله فتحلونه؟ قال: بلى، فقال عليه الصلاة والسلام: فتلك عبادتهم، ثم تلا عليه قول الله سبحانه: {اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ}(التوبة 31).
لأن مقتضى لا إله إلا الله: عبادته وحده لا شريك له، وهذا هو ما دعا إليه أنبياء الله ورسله منذ الخليقة، وأولهم آدم وآخرهم محمد صلى الله عليه وسلم، كما بيّن الله في كتابه، ولما كان أهل الكتاب وغيرهم يؤمنون بالله ووجوده، وأنه الخالق ومكتوب على الدولار عبارة (نحن نثق بالله) لكنه قول باللسان، أو كتابة لم يُحقّق معناها، ولا شروطها التي بيّنها أنبياء الله لهم، وحاجّهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه الآية {قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًاَ}الأنعام 151) في وصايا عشر، هي عليهم حجة.
من حقوق لا إله إلا الله، ومن تابعهم وقلّدهم من المسلمين.
فاحرص أخي ألا يدخل عليك إبليس، في عبادتك وعقيدتك، لأن هذه من مهمته بإغواء عباد الله، ولا يشكر أكثرهم الله على فضله ونعمه.. وتجنّب منافذه وأحابيله لإفساد علاقتك بالله، وهذا من جهده ومهمته التي أخذها على نفسه بعد أن أنظره الله إلى قيام الساعة وذلك بأن يفسد علاقة من يقدر عليه بإذن الله سبحانه، في تحقيق معنى لا إله إلا الله، من القلوب ذلك أن العقيدة: مدارها على هذه الجملة: قولاً وفعلاً، وارتباطاً بالخالق، وهي المحور الذي تدور عليه الأعمال، فإن صلحت صلح العمل كله، وإن فسدت انهار بنيان العقيدة، وسهل على عدو الله وأعوانه تزيين المغريات، والتهاون بأوامر الله سبحانه وشرعه.
فإبليس - أعاذنا الله منه - يدرك معنى لا إله إلا الله، ويهرب عن سماعها: سواء في الأذان، أو الذكر أو في غير ذلك، لكنه بعدما طرده الله من رحمته ولعنه.. ركز جهوده على البشر لإفساد علاقتهم بالله في المعتقد.. ومباعدتهم عن فهم وحقيقة لا إله إلا الله، وما تنطوي عليه في أعمالهم، وذلك بالغفلة والبعد عن ذكر الله وإلهائهم بالاتجاه لغير الله، وعن إدخال شريك مع الله في طلب النفع، وتجنب الضرّر، والتشكيك والإغواء، وترك الإخلاص مع الله، وبذا يغفل القلب ويتغلّب عليه الرّان، ليصبح قلب الإنسان متأرجحاً، ووجدانه متذبذباً - أعاذنا الله وإياك من الشك بعد اليقين، ومن الشرك من حيث لا تدري بعد الإيمان.
فاقطع يا أخي المسلم الطريق على عدو الله وأعوانه من الإنس بحسن الارتباط ب: لا إله إلا الله قولاً متصلاً، وذكراً متوالياً، في كل موقف، وعند كل مناسبة، بعقيدة راسخة، وإيمان مطمئن، إذ في الإخلاص والاهتمام بمدلول: لا إله إلا الله في السر والعلن، تكون مثالاً في نفسك، وقدوة بالفهم الحسن لغيرك، فسوف تدرك أثراً باطمئنان القلب وراحة البال، مثلما قال: إبراهيم بن أدهم: لو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه من راحة وسعادة لجالدونا عليه بالسيوف.. وهذا من ثمرة لا إله إلا الله، لأنها الكلمة التي بها تطمئن القلوب، وترتاح لها النفوس، وتهوّن الضجر على أصحاب الهموم، وتقارب بين العبد وخالقه، وهي الكلمة التي توحّد بين المسلمين، ورمزهم التعبدي.. فحققها بإدراكك وقلبك، وطبّق ذلك بعملك في مجتمعك ومع أهلك وولدك.
من تسامح الإسلام:
يمثل عمر بن الخطاب رضي الله عنه، منهجاً تسامحياً، مع الأمم المغلوبة، وعدم إرغامهم على الدخول في الإسلام، بدلالة الآية الكريمة: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ}، فقد رفع الجزية، عن شيخ كبير يهودي، وفرض له ما يكفيه من بيت مال المسلمين، وقال: أخذنا منه في شبابه وقوته، ونعطيه ما يكفيه، مع عجزه وشيخوخته، وهذا من فقهه رضي الله عنه.
ومن ذلك ما أعطاه لأهل إيليا، في فلسطين الحالية، من عهد بعكس ما يعمله اليهود اليوم، وما عمله الصليبيون أيام حربهم على بلاد الشام.. يقول عمر رضي الله عنه، في عهده ذلك.. بعد فتح بلاد الشام.
بسم الله الرحمن الرحيم هذا، ما أعطى عبدالله، أمير المؤمنين: عمر بن الخطاب أهل (إيليا) من الأمان: أعطاهم أماناً لأنفسهم وأموالهم، ولكنائسهم ولصلبانهم، ومقيمها وبزيّها، وسائر ملّتها، أنها لا تسكن كنائسهم، ولا تهدم ولا ينتقص منها، ولا من حدّها، ولا من صلبها ولا شيء من أموالهم، ولا يُكرهون على دينهم، ولا يضارّ أحد منهم، ولا يسكن (إيليا) معهم أحد من اليهود.
وعلى أهل إيليا أن يعطوا الجزية، كما يُعطى أحد المدائن، وعلى أن يُخرجوا منها الروم واللصوص، فمن خرج منهم، فهو آمن على نفسه وماله، حتى يبلغوا مأمنهم، ومن أقام منهم فهو آمن، وعليه ما على أهل (إيليا) من الجزية، ومن أحب من أهل إيليا أن يسير بنفسه وماله مع الروم، ويخلّى ببعضهم وصلبهم، فإنهم آمنون على أنفسهم، وعلى بيعهم وصلبهم، حتى يبلغوا مأمنهم.
ومن كان فيها من أهل الأرض، فمن شاء منهم قعد، وعليه ما على أهل (إيليا) من الجزية، ومن شاء منهم سار مع الروم، ومن شاء رجح إلى أرضه، فإنه لا يؤخذ منه شيء حتى يحصد حصادهم.
وعلى ما في هذا الكتاب، عهد الله وذمته، وذمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذمة الخلفاء وذمة المؤمنين، إذا أعطوا الذي عليهم من الجزية.
شهد على ذلك: خالد بن الوليد، وعمرو بن العاصي، وعبدالرحمن بن عوف، ومعاوية بن أبي سفيان (المرجع كتاب المملكة العربية السعودية وفلسطين بحوث ودراسات ج، ص738 بحث لسهيل زاكار: مطبوعات دارة الملك عبدالعزيز عام 1427هـ - 2006م.