عرفت الفقيد عبدالله بن دايل التويجري قبل عقدين، وما كنت أدري أنه على علم بأدق تفاصيل طفولتي منذ ستة عقود، فلقد كانت تجمعه بأبي رحمه الله صداقتهما المشتركة للوجيه حمد التويجري، وحديثه عن تلك المراحل المثقلة بشظف العيش تنبئ عن لين جانب وإحساس إنساني نبيل، ولقد شدتني إليه كغيري الدماثة الخلقية النادرة على الرغم من أنه كان في ساقة رواد العقيلات وفي مقدمة الجيل الثاني منهم والمعروف عن هذا الصنف من الناس الحزم والعزم وخشونة الصحراء وحديثه عما يلاقون من مواقف عصيبة ومفاجآت محرجة تثير في النفوس الإكبار لهم والشفقة عليهم، كما ينبئ عن مكامن الرجولة بوصفها عماد الخلق الكريم، ورجل مثله رحمه الله عايش تلك الحياة المضطربة والمحفوفة بالمشقة والمخاطر واستوعب تلك التجارب النبيلة ربما يكون مرتهنا لسماتها غير أنه خلص من قوة العنف ولين الضعف فكان قدوة حسنة في سيرته وحسن تعامله يألف ويؤلف، وإذ بسط الله له في الرزق فقد بسط يده فيه، فكانت مزرعته وارفة الظلال ليس لأبناء بريدة خاصة وإنما لأبناء القصيم كافة، فكانت ملتقى كثير من الأصدقاء والمعارف والأعيان، إذ ما جئته زائراً إلا وأرى عنده لفيفاً من العامة والخاصة الذين يجدون بجواره متعة النفس وبهجة المناظر من طلاقة في المحيا وعذوبة في الحديث، ورحيله وإن كان بعد ما أنْسَأ الله له في أجله سيترك أثراً في نفوس محبيه.
والفقيد رحمه الله عرف فيه خلطاؤه حب الخير وكرم الضيافة وعفة اللسان وبذل المعروف والتبسط مع الكبير والصغير والإلحاف في السؤال عن المنقطعين عنه من أصدقائه، وتقلبه في البلاد والأعمال ومخالطته أكسبته خبرة واسعة في التسامح وحسن التعامل ومكنته من إنشاء مزرعة نموذجية قدمت للمستجدين من المزارعين أدق التفاصيل عن زراعة النخيل واستثمارها حتى لقد كرمِّ في أكثر من مناسبة وكان حضوره ودعمه للمشاريع الزراعية مثار إكبار من المسؤولين.
رحمه الله رحمة واسعة وجعل في عقبه من يسد الخلال التي تركها وعزاؤنا لكل من عرفه واقترب منه من أبناء وأنجال وأصدقاء.