من لا يعرف إصرار نساء القصيم على نصرة المرأة والوقوف إلى جانبها من أجل أن تكون أداة فعالة داخل هذا المجتمع، فليتذكر تلك الحادثة التي كانت قبل عشرين عاماً حينما توجه نفر من الأشخاص إلى حيث مقر جمعية الملك عبد العزيز النسائية في بريدة واحرقوها، فلم يتخلف هؤلاء النساء عن العمل بل خرجن في اليوم التالي وتابعن مهام أعمالهن في غرفة صغيرة.
هذه الحادثة تعطينا الكثير من المؤشرات، فرؤيتي الشخصية تتنبأ ولا تستبعد أن يخرج عن نساء القصيم جمعية تُعنى بحقوق المرأة، فخبرة هؤلاء النساء ومهاراتهن لا تجعلني اشك أبداً بأن مستقبل الجمعيات الحقوقية النسائية قد يكون من تلك المنطقة التي وصمت في وقت من الأوقات بالإرهاب وأنها منبت الفئة الضالة، لكن هذه الوصمة اللامنطقية لم تكن ترى ذلك الإصرار وذاك التحدي، هذا ما رأيته قبل أسبوعين في أول زيارة لي لهذه المنطقة، بدعوة من جمعية الملك عبد العزيز الخيرية النسائية، التي وضعت لها اسماً مختصراً يحمل بين طياته معاني حقيقية هو (عون)، ومن هنا بادر هؤلاء النسوة بعقد المؤتمر الأول للجمعيات الخيرية النسائية الذي يهدف إلى تخطي المرأة مرحلة العمل الخيري إلى حيث مرحلة جديدة هي من متطلبات التنمية التي نعمل من أجلها ليلاً ونهاراً ألا وهي تمكين النساء، من حيث التمكين الاقتصادي، إلى الاجتماعي، والصحي، والبيئي، بغية تأهيل المرأة لتكون جزءاً أساسيا في سوق العمل.
وكما ذكرت رئيسة الملتقى الأستاذة الجوهرة الوابلي في بداية كلمتها: (تحت شعار من الخيرية إلى التمكين نطل عليكم اليوم من كل مناطق المملكة على ارض القصيم حيث وجهة اللقاء، جهودنا متكاتفة وإرادتنا تلاقي طموحاتنا متفائلة بالتلاقي والعمل لإحداث نقلة نوعية في مجال العمل الاجتماعي النسائي الخيري).
في هذا الملتقى اجتمعت النساء من كل أنحاء المملكة، وحضرت النساء من دول عربية شقيقة، بعزم قوي على التغيير وتم تبادل الخبرات والمعلومات التي تهم هذه المرحلة في نقلتها من حيث العمل الخيري المعتاد إلى حيث تطبيق المفاهيم التنموية التي تُشكل الجزء الواعي لعمل النساء السعوديات كل واحدة منهن في جهتها.
في الحقيقة لا أخفيكم، كم كنت متشوقة لزيارة منطقة القصيم خصوصاً أن هذه المنطقة تُمثل الجزء الأقرب من قلبي، حيث إن أصول والدتي تعود لهذه المنطقة، لكني في الوقت ذاته كنت متخوفة مما سمعت عن تشدد أهالي هذه المنطقة، والمفارقة أنه وفي نفس الفندق الذي نسكنه وتقيم فيه معظم المشاركات والحاضرات اللاتي تجاوز عددهن الثلاثمائة سيدة، كان في الوقت ذاته دورة لتأهيل رجال الحسبة يشارك فيها عدد لا أعلمه من رجال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، منذ دخولي إلى بهو الفندق وقراءتي ذلك الإعلان عن الدورة توقعت أن يحدث زلزال داخل الفندق، وأن رجال الهيئة سيواجهوننا بغضبهم، خصوصاً إذا ما رأوا نساءً كاشفات الوجه، لا أخفيكم هول المفاجأة فقد كان هؤلاء الرجال يعبرون من جانبنا بمنتهى الرقي والحضارة ولم نسمع أي لفظة زجر، ولا عبارة تهديد ووعيد.
أيضاً كانت حفاوة أهالي وأعيان هذه المنطقة لافتة، وليس غريباً عنهم، من بينها حفل العشاء الذي أقامه الشيخ إبراهيم بن موسى الزويد في برج بريدة بمركز الملك خالد الحضاري، تم استقبالنا بالزهور الطبيعية المنثورة على مدخل البرج الذي تم تصميمه وبناؤه بشكل مذهل من الأسقف إلى الأرضيات والنوافذ التي تُبرز منظراً رائعاً لمدينة بريدة، أما طاقم الضيافة النسائي فكان يتميز عن أي طاقم شاهدته في أي منطقة أخرى، فمن حيث الأزياء والأناقة، فتيات شابات يرتدين البنطلون والتنانير القصيرة وبابتسامة تُشعرك وكأن هؤلاء المضيفات يقمن على خدمة ضيف خاص أتى في زيارة لبيوتهن، ولا أنسى حفاوة كل الإخوان الرجال الذين تعبوا معنا وقاموا بخدمتنا في المواصلات أثناء الرحلة، ويكفي.. شكراً نساء القصيم والمستقبل بنا جميعاً يا نساء السعودية.
www.salmogren.net