Al Jazirah NewsPaper Wednesday  25/11/2009 G Issue 13572
الاربعاء 08 ذو الحجة 1430   العدد  13572
بين تقرير الظل وتقرير الضوء
د. فوزية عبد الله أبو خالد

 

مضى عامان بين تقرير الظل الذي كتبته من هذا المنبر لجريدة الجزيرة ووجهته لمعالي مدير جامعة الملك سعود، وعملت فيه على وضع النقاط على الجروح التي كان يعانيها مركز الدراسات الجامعية للبنات للعلوم الإنسانية، وبين التقرير الذي قام بإصداره ذات المركز للعام الدراسي الماضي بمبادرة من عميدة المركز الدكتورة الجازي الشبيكي،

قامت فيه بتشكيل فريق عمل بإشراف الدكتورة فوزية البكر وبمشاركة كوكبة من الزميلات المتميزات من مختلف كليات وأقسام المركز ممن واصلن العمل بتفان خلال الإجازة الدراسية لصيف 1430هـ-2009م للخروج بتقرير يعبر بالأرقام ليس فقط عن الواقع الأكاديمي والإداري للمركز، بل وعن تطلعات وآمال المنتميات لهذه المساحة (النسائية الظلية) من الحرم الجامعي لجامعة الملك سعود. أما السؤال المضمر في خاطري والذي لابد أن يعتمل في صدور القراء وربما على الأخص مدير الجامعة الذي أسمع عن حس متابعته العالي، فإنه سؤال ما هو وجه المقارنة بين التقريرين؟

ما هو وجه المقاربة أو التباعد بين ما أسميته حينها ب(تقرير الظل) وحرصت فيه على تقديم صورة شفيفة مستقاة من أفواه زميلات الجامعة وطالباتها وتجاربهن المعاشة مع أوجه القصور الإداري والأكاديمي التي كان يتجرعها أولئك النسوة وحدهن في عنابر الجامعة الضيقة بعليشة البعيدة عن فسحة الجامعة الأم بقاعاتها الواسعة بالدرعية، وبين ما أسميه هنا ب(تقرير الضوء) الصادر عن نفس المكان بعليشة لرصد وضعها الأكاديمي والإداري على مدار عام؟.

في اجتهادي أن هناك بين التقريرين أكثر من وجه شبه، كما أن هناك أكثر من وجه اختلاف وسأعمل فيما تبقى من المقال على تبيان مسارات الشبه والاختلاف بين التقريرين، حيث أروم من المقارنة الخروج باستنتاجات تكون بمثابة وقفة مراجعة لما يسمى في السياسة (بواقع الحال) أو (حالة الواقع) وهي عادة وقفة تقدم على تقديم قراءة نقدية أو تقويمية للفارق الموضوعي بين القائم وبين الممكن. ليس باعتبار السياسة فن الممكن بالمعنى العجزي الذي يفسره البعض بمعنى ضامر واعتذاري بأنه ليس بالإمكان أفضل مما كان، بل باعتبار أن الممكن أكثر مما تم إحرازه.

وسأعمد إلى طرح المقارنة لتكون أكثر تحديداً في عدة نقاط:

1- لنبدأ المقارنة بين التقريرين بالتسمية: لقد سميت التقرير الذي عرضته على الملأ على صفحات هذه الصحيفة للعام 2007م وحددت فيه عدداً من القضايا الأكاديمية والإدارية مما تستحق إعادة نظر وتحتاج أوضاعها إلى عملية إصلاح جذري ب(تقرير الظل) ليس فقط للوضع (الظلي) الذي يعيشه مركز الدراسات الجامعية كقسم للطالبات في علاقته بجامعة الملك سعود، ولكن لأنه كان كما في عادة تقارير الظل تعبيراً عن الأصوات المهمشة أو التي ليس لها تمثيل رسمي يعتد بثقله مقابل الأصوات النافذة والمسموعة في الأوساط المعنية. أما التقرير الذي صدر نهاية صيف 2009م عن مركز الدراسات الجامعية لأقسام العلوم الإنسانية بعليشة وأسميه بتقرير الضوء، فعلى أنه خرج من قلب المؤسسة الرسمية المعنية نفسها فإنه لم يكن من تلك التقارير التجميلية التي عادة ما يوكل أمر إعدادها لموظفين ليس لهم علاقة بالعملية التعليمية نفسها وبمدها وجزرها ونقاط ضعفها أو قوتها، بل إنه كان تقريراً بأيدي عدد من المنغمسات في العمل الأكاديمي إلى رمانة الكتف, كما أنه كان تقريراً يملك شجاعة النقد وقد جاء في كلمة التقديم وربما لأول مرة في تاريخ التقارير الرسمية على الأقل على مستوى مركز الدراسات الجامعية, اعتراف صريح ويبعث على الثقة بأن التقرير الإحصائي لبعض المنجزات لا يعني امتداح الذات ولا عدم الإقرار بأوجه القصور أو القول بعدم وجود عدد من الجوانب الأكاديمية والإدارية التي لا تزال بحاجة إلى تطوير وإصلاح.

2- بالإضافة لوجه الالتقاء بين تقرير الظل وتقرير الضوء في المنطلق النقدي والمطلب الإصلاحي فإن هذا لا يمنع فحص ببعض أوجه الاختلاف. فالتقرير الأخير صدر عن فترة أو لعل من الأنسب تسميتها بمرحلة (الخروج على السبات) على مستوى مشروع التعليم العالي بمجتمعنا ككل. وهي مرحلة أستعير لها اسماً شعرياً فاسميها (مرحلة تربية الأمل). وقد استثمر فيها معالي الدكتور خالد العنقري دعوة الإصلاح لتضخ دماء معرفية جديدة في عروق التعليم العالي والجامعات السعودية ودفعات الشباب من خريجي الثانوية والجامعات التي كانت قد تيبست أو كادت ردحا من الزمان. ومن الواضح أن جامعة الملك سعود من مؤسسات التعليم العالي التي قبلت تحدي ذلك الأمل وهي على ما يبدو مزمعة على دخول رهان الإصلاح. ولهذا فقد بدا هذا التقرير الصادر عن مركز الدراسات الجامعية للبنات بعليشة محاولة جادة للخروج على السبات وعلى ضيق الهامش المعطى للجانب النسائي من الجامعة معا وذلك لإيجاد موقع قدم في فسحة الأمل. ولو رغب مدير الجامعة فيمكن أن يصغي لبعض خرير التقرير ليسمع من سواقي عليشة نفسها أين تحققت موازين العدل وأين لا تزال مائلة في علاقة الجامعة بمركز الدراسات الجامعية ليس على مستوى توزيع الخدمات والصلاحيات وحسب، بل وعلى ما يفترض أن يكون أرضية مشتركة للإصلاح وتبادل الرأي والخبرات على قدم المساواة.

3- بينما لم يكن هناك في تقرير الظل ما يعتد به من التطورات حيث توقف نمو مركز الدراسات الجامعية عند مرحلة الثمانينات الميلادية. فلم تستحدث في بعض أقسامه وظيفة لمعيدة أو محاضرة لأكثر من عشر سنوات، ولم يكن فيه للطالبات من كلمة تقال أو صوت يسمع, وحيث من كانت تحاول من هيئة التدريس أن تجتهد في طرح منهج علمي أو في تناول كتاب جدلي أو تقديم تفكير نقدي تستبعد كداء، فقد حفل تقرير الضوء بعدد من الجداول الإحصائية في إشارة دلالية عميقة على عدد من الإصلاحات. هناك الأرقام المتزايدة لتعينات معيدات ومحاضرات جدد بمعظم الأقسام, هناك باب الدراسات العليا الداخلي والخارجي الذي لم يعد يضيق بالطالبات, هناك تشكيل مجالس الطالبات والأمل بالعمل داخلها بأسلوب الانتخابات, هناك الموقع الإلكتروني لآراء الطالبات, هناك تخصيص خدمات ملائمة للطالبات اللواتي يواجهن تحدي الإعاقة, هناك تكليف العميدة لطالبات القانون بدراسة أوضاع وحقوق عاملات الخدمات بمركز الدراسات الجامعية, هناك خيط من نسغ التغيير الإيجابي يستطيع القارئ أن يلمسه ويستنشق هبوب هواء نقي داخل أسوار مركز الدراسات الجامعية للبنات بأقسام العلوم الإنسانية بعليشة. ويبقى الأمل أن يكون هذا التقرير مؤشراً أولياً لعزم جامعة الملك سعود على المضي قدماً في إصلاح إداري وأكاديمي وطلابي يشمل النساء والرجال والطلاب والطالبات؛ لأن حلم العالمية لا يمكن التحليق في آفاقه بجناح واحد. هذا ولله الأمر من قبل ومن بعد.



Fowziyah@maktoob.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد