تعتبر مؤسسة التعليم العالي وبرامجه في صدارة التحديات الجديدة لعالم متغير ومتسارع باعتبارها البوابة الأولى التي تطل من خلالها مواكب متلاحقة من الخريجين من طلاب الجامعات وطالباتها،
ويعتبر توسيع نظام التعليم العالي السعودي بشكل رئيسي محصلة لتحسن الاقتصاد الوطني المرتبط ارتباطا وثيقا بالطلب الاجتماعي والتغير السكاني؛ لذا كانت السياسات الرسمية للمملكة وأهدافها بمثابة القوة الدافعة في رسم معالم هذا النظام. وقد ذللت الهيكلة الإدارية المركزية للدولة الكثير من الصعوبات التي كانت الجامعات السعودية تواجهها في مراحل سابقة، لا من خلال التمويل فحسب، بل أيضا عن طريق توجيهها لتحقيق أهداف محددة وفق أنظمة وتعليمات أكثر مرونة.
إن الدور المتوقع لنظام التعليم العالي في النمو الوطني شديد الوضوح؛ إذ جاء في الخطط التنموية الوطنية المبدأ الإستراتيجي الأساسي رقم 6 لخطة التنمية السادسة، والذي ينص على:
(مواصلة تطوير القوى العاملة من خلال التقويم الدقيق للمناهج التعليمية وبرامج التدريب وتفعيل التنمية أو التعديلات المقترحة من التعليم بما يتوافق والشريعة الإسلامية، ومقتضيات التغيير في المجتمع ومتطلبات عملية التنمية). (كتاب آفاق توظيف خريجي الجامعات السعودية للدكتور خالد جمعة).
وفي الاتجاه نفسه أصدرت اليونسكو وثيقة إعلان باريس عام (1998م)، عنوانه (الرؤية والعمل)، ونص في مادته على ضرورة التلاؤم بين التعليم العالي وعالم العمل، من خلال مزيد من توثيق الروابط بين مؤسسات التعليم العالي ومؤسسات العمل المختلفة.
ومن التحديات الكبيرة التي يجب على الجامعات التغلب عليها التخلص من العزلة عن احتياجات المجتمع وحركة التغيير الاجتماعي؛ حيث حصرت تلك الجامعات نفسها في وظيفة التدريس، في الوقت الذي كانت فيه الجامعات في المجتمعات الذكية تشهد حركة تغيير واسعة لتطبيقات جديدة للمعرفة، وأدى ذلك بالجامعات السعودية في المراحل السابقة إلى تهميشها اجتماعيا وظهور الإبداع العلمي والتكنولوجي من خارجها.
وينبه عدد من الباحثين إلى أن هناك عوامل قد تؤثر على الكفاءة في مؤسسات التعليم العالي في جامعاتنا، منها: القيود المالية، التراث الأكاديمي، التأثير الإداري، محدودية الوسائل التعليمية المتاحة للطلاب.
وكذلك يشير البعض بأن هناك فجوة قدرات وكفاءات أوسع بين مخرجات مؤسسات التعليم العالي وطلبات سوق العمل بالمقارنة مع الأوضاع في البلدان المتقدمة، ويضيف الدكتور يوسف محمود في كتابه (رؤية جديدة لتطوير التعليم الجامعي) بأن هناك عوامل تؤثر على الجامعات في الوقت الحاضر وتؤدي إلى ظهور وظائف جديدة قد تكون ليس بمقدور بعض الجامعات تنفيذها، ومن تلك العوامل:
* الثورة العلمية والتكنولوجية: ومن أهم خصائص تلك الثورة أنها مرشحة لصنع حضارة جديدة، مختلفة جذرياً في طبيعتها وبنيتها وأهدافها عن الحضارة الإنسانية التي نعيشها الآن، ومن أهم عوامل - والكلام للدكتور يوسف - تأثيرها على التعليم الجامعي ما يعرف بالنمو المعرفي وثورة الاتصالات.
* بروز دور اجتماعي كبير للجامعات.
* زيادة الإقبال الشعبي على التعليم الجامعي.
* ظهور أنماط جديدة من التعليم الجامعي.
كما أن هناك تحديات كبيرة تعصف ببعض الجامعات منها ما ذكره الدكتور حسن شحاتة في كتابه (مداخل إلى تعليم المستقبل، بتصرف):
* قضية العولمة بما تفرضه من تحديات، وما تنطوي عليه من متغيرات وفوائد جمة لأولئك الذين يحسنون التعامل معها والتهيؤ لها، الأمر الذي يجعل الجامعات تخضع لمعايير كونية واحدة، يكون فيها النجاح والتفوق رهناً بمرونة تلك الجامعات وقدرتها على التعامل مع المستجدات العالمية ومنجزات العصر، وامتلاكها لأدوات المراجعة والتطوير وآليات تحسين القدرة التنافسية.
* دون امتلاك القدرة على معرفة الآخر والتواصل معه، لن تستطيع مؤسساتنا التعليمية الجامعية أن تستفيد من النواحي الإيجابية في النمو المطرد لظاهرة العولمة بسبب عدم إتقان خريجيها للغة الإنجليزية باعتبارها اللغة العالمية، حيث إنها إحدى المطلوبات الأساسية للحصول على المعلومات وتحصيل المعرفة الكونية.
ومن التحديات، إضافة لما سبق - في نظري - ما يلي:
* عدم الوعي بمفهوم الجودة الشاملة في التعليم الجامعي لدى بعض القيادات الإدارية في بعض الجامعات السعودية، وبعض أعضاء هيئة التدريس لدرجة تدني إسهامهم وعن امتناعهم في نجاح تنفيذ برامج الجودة في جامعاتهم.
* ما نلمسه في بعض جامعاتنا من عدم وجود أهداف محددة وواضحة في الجامعة يشارك في صنعها جميع منسوبي تلك الجامعة والأطراف ذات الصلة، كل قدر إسهامه بحيث يكون لهذه الأهداف توجه مستقبلي طويل وقصير المدى وتحقيق رغبات المستفيدين.
* التركيز على العمل الفردي على حساب العمل الجماعي.
* عدم انفتاح بعض الجامعات على البيئة المحيطة بمؤسساتها المختلفة.
* لا يوجد تخصصات متميزة عادة يتم التركيز عليها من قبل كل جامعة، كما نرى كثيراً من الجامعات في الدول المتقدمة.
* لا يعطى الطالب في بعض جامعاتنا فرصة كافية لممارسة الخبرات العملية.
* كثير من الخريجين ليس لديهم القدرة على التنبؤ بالمشاكل وتوقع الفرص المتاحة واقتراح حلول ومتغيرات، والضعف الواضح في الخبرات التي تؤهلهم لفرص عمل متعددة طوال حياتهم.
* لا يوجد معايير ومبادئ واضحة لبعض جامعاتنا في انتقاء أعضاء هيئة التدريس من ذوي الكفاءات العالية، وهنا أشير إلى كلمة لرئيس جامعة (كالتك) حيث يقول مشيرا لبعض المبادئ التي وضعتها تلك الجامعة: (هي جامعة تكرس جهدها على نحو رائع للبحث العلمي لفئة منتقاة من الدارسين والباحثين ذوي المستوى الرفيع...هناك جامعات كثيرة في حجمها أو أكبر منها، لكن القليل جداً منها من يملك البيئة العلمية، وهذا الأسلوب الخاص في التعليم وتلك النخبة من الباحثين المتعطشين للمعرفة..).
ويرى كثير من الباحثين أن الكثير من الصلاحيات الجوهرية التي تمت في الجامعات أتت من خارجها، سواء كقوى دافعة وملزمة للتطوير، أو من خلال تقديم نماذج مبدعة لا تجد الجامعات بداً من الأخذ بها. وحسب نظرية بوير Boyer, E. I. فإن العوامل الخارجية هي التي كانت وراء ظهور الأدوار الحالية للجامعة، الواحد منها تلو الآخر، كما كانت وراء التغير في أسلوب ممارسة هذه الأدوار. (جامعة المستقبل للدكتور جونستون Johnston, R. .
أخيراً يقر الجميع بجهود وزارة التعليم العالي وحثها المتواصل للجامعات المحلية على تحسين ترتيبها ضمن التصنيفات العالمية، وخاصة حصولها على الاعتماد الأكاديمي، وهذا يعطي انطباعاً بأن صناع القرار في بلدنا يدركون بعمق مفهوم الجودة الأكاديمية وأهمية دعم جهود الجامعات المتميزة للحصول على الاعتماد الأكاديمي من المؤسسات الدولية المتخصصة. من أجل أن يصبح خريجونا مواطنين فاعلين ومنتجين، وينجحون في التطبيق المثمر لمهاراتهم ومواهبهم في أعمالهم.
يتبع..
* * *
* كاتب وأكاديمي سعودي
ksapr006@yahoo.com