Al Jazirah NewsPaper Tuesday  24/11/2009 G Issue 13571
الثلاثاء 07 ذو الحجة 1430   العدد  13571
أحكام عيد الأضحى المبارك وبعض أحكام الأضحية ومشروعيتها

 

الحمد لله الذي جعل لعباده الصالحين مواسم يستكثرون فيها من العمل الصالح، وأمد في آجالهم فهم بين غاد للخير ورائع، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

أحمد الله -عز وجل- أخي المسلم، أن جعلك ممن يدرك هذا اليوم العظيم، ومد في عمرك لترى تتابع الأيام والشهور وتقدم لنفسك فيها من الأعمال والأقوال والأفعال ما تقربك إلى الله زلفى.

والعيد من خصائص هذه الأمة، ومن أعلام الدين الظاهرة وهو من شعائر الإسلام، فعليك بالعناية به وتعظيمه {ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ} (32) سورة الحج.

ويوم النحر أفضل أيام السنة عند بعض العلماء، لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (أعظم الأيام عند الله يوم النحر، ثم يوم القر) (رواه أبو داود والنسائي)، (ويوم القر: هو اليوم الذي يلي يوم النحر وهو حادي عشر ذي الحجة)، وإليك وقفات سريعة موجزة مع آداب وأحكام عيد الأضحى:

1- التبكير لصلاة العيد: قال الله تعالى{فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ} (148) (سورة البقرة) والعيد من أعظم الخيرات والقربات.

قال البخاري -رحمه الله-: باب التبكير إلى العيد، ثم ساق حديث البراء -رضي الله عنه- قال: خطبنا النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم النحر فقال: (إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا أن نصلي..).

قال الحافظ (هو دال على أنه لا ينبغي الاشتغال في يوم العيد بشيء غير التأهب للصلاة والخروج إليها، ومن لازمه أن لا يفعل قبلها شيء غيرها، فاقتضى ذلك التبكير إليها) (فتح الباري 2-350).

2- التكبير: يشرع التكبير المقيد أدبار الصلوات المفروضة من فجر يوم عرفة إلى عصر آخر أيام التشريق وهو الثالث عشر من شهر ذي الحجة قال تعالى {وَاذْكُرُواْ اللّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَات (203)}(سورة البقرة.)

3- ذبح الأضحية: ويكون ذلك بعد صلاة العيد لقول الرسول (ومن ذبح قبل أن يصلي فليعد مكانها أخرى، ومن لم يذبح فليذبح) (رواه البخاري ومسلم).

ووقت الذبح أربعة أيام، يوم النحر وثلاثة أيام التشريق، لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (كل أيام التشريق ذبح) (السلسلة الصحيحة برقم 2476).

4- الاغتسال والتطيب للرجال: ولبس أحسن الثياب بدون إسراف، ولا إسبال ولا حلق لحية، فهذا حرام أما المرأة فيشرع لها الخروج إلى مصلى العيد بدون تبرج ولا تطيب، وأربأ بالمسلمة أن تذهب لطاعة الله والصلاة وهي متلبسة بمعصية الله من تبرج وسفور وتطيب أمام الرجال الأجانب.

5- الأكل من الأضحية: فقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا يطعم حتى يرجع من المصلى فيأكل من أضحيته.

6- الذهاب إلى مصلى العيد ماشياً إن تيسر: والسنة الصلاة في مصلى العيد لفعل الرسول -صلى الله عليه وسلم- إلا إذا كان هناك عذر من مطر مثلاً فيصلى في المسجد.

7- الصلاة مع المسلمين واستحباب حضور الخطبة: والذي رجحه المحققون من العلماء مثل شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- أن صلاة العيد واجبة لقوله تعالى {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ}(سورة الكوثر 2). ولا تسقط إلا بعذر شرعي والنساء يشهدن العيد مع المسلمين، حتى الحيض والعواتق ويعتزل الحيض المصلى.

8- مخالفة الطريق: يستحب الذهاب إلى مصلى العيد من طريق، والرجوع من طريق آخر لفعل النبي -صلى الله عليه وسلم-.

9- التهنئة بالعيد: لا بأس مثل قوله: تقبل الله منا ومنكم.

10- الاجتماع على الطعام: ومن السنة اجتماع الناس على الطعام في العيد، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (25-298): (جمع الناس للطعام في العيدين وأيام التشريق سنة، وهو من شعائر الإسلام التي سنها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

واحذر أخي المسلم من الوقوع في بعض الأخطاء في هذه الأيام العظيمة ومنها:

1- التكبير الجماعي: بصوت واحد، أو الترديد خلف شخص يقول التكبير.

2- اللهو أيام العيد بالمحرمات: كسماع الغناء، ومشاهدة الأفلام، واختلاط الرجال بالنساء من غير المحارم، وغير ذلك من المنكرات.

3- أخذ شيء من الشعر أو تقليم الأظافر قبل أن تضحي لنهي النبي - صلى الله عليه وسلم- عن ذلك.

4- الإسراف والتبذير: بما لا طائل تحته ولا مصلحة فيه ولا فائدة منه سواء في الملبس أو المأكل والمشرب، لقول الله تعالي {وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} (141) سورة الأنعام.

5- اعتقاد البعض مشروعية إحياء ليلة العيد ويتناقلون أحاديث لا تصح.

6- تخصيص يوم العيد لزيارة المقابر والسلام على الأموات.

7- يحرم صيام يوم العيد: لحديث أبي سعيد أن النبي -صلى الله عليه وسلم-: نهى عن صيام يومين (يوم الفطر، ويوم النحر) (متفق عليه).

أخي المسلم: احرص على أعمال البر والخير، من صلة الرحم، وزيارة الأقارب، وترك التباغض والحسد والكراهية، وتطهير القلب منها، والعطف على المساكين والفقراء والأيتام ومساعدتهم وإدخال السرور عليهم.

بعض أحكام الأضحية ومشروعيتها

شرع الله الأضحية بقوله تعالى {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ(2) } (سورة الكوثر )وقوله تعالى {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ}(36) (سورة الحج) وهي سنة مؤكدة، ويكره تركها مع القدرة عليها، لحديث أنس -رضي الله عنه- الذي رواه البخاري ومسلم في الصحيحين أن النبي -صلى الله عليه وسلم- (ضحى بكبشين أملحين أقرنين ذبحهما بيده وسمى وكبر).

ولقوله -صلى الله عليه وسلم- (ما عمل ابن آدم يوم النحر عملاً أحب إلى الله من إراقة الدم، وإنها لتأتي يوم القيامة بقرونها، وأظلافها، وأشعارها، وإن الدم ليقع عند الله بمكان قبل أن يقع من الأرض، فطيبوا بها نفساً) (رواه ابن ماجه والترمذي).

وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه يضحون عن أنفسهم وأهليهم.

وقد سئل الشيخ محمد بن عثيمين -رحمه الله-: هل يقترض الفقير ليضحي؟

فأجاب (إن كان له وفاء، فينبغي أن يقترض ويقيم هذه الشعيرة، وإن لم يكن له وفاء، فلا ينبغي له ذلك).

والأضحية لا تكون إلا من الإبل والبقر والضأن والمعز، لقول الله تعالى {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ} (27) (سورة الحج) وأفضلها: إبل، ثم بقر، ثم غنم.

ومن شروط الأضحية: السلامة من العيوب، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (أربعة لا تجزئ في الأضاحي: العوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها، والعرجاء البين ضلعها، والعجفاء التي لا تنقي) (رواه الترمذي).

وبداية وقت الذبح بعد صلاة العيد لقول الرسول -صلى الله عليه وسلم- (من ذبح قبل الصلاة فإنما يذبح لنفسه، ومن ذبح بعد الصلاة فقد تم نسكه وأصاب سنة المسلمين) (رواه البخاري).

ويسن لمن يحسن الذبح أن يذبح أضحيته بيده ويقول: بسم الله والله أكبر، اللهم هذا عن فلان (ويسمي نفسه أو من أوصاه) فإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذبح كبشاً وقال (بسم الله والله أكبر، اللهم هذا عني وعمن لم يضح من أمتي) (رواه أبو داود والترمذي)، ومن كان لا يحسن الذبح فليشهده ويحضره.

ويسن للمضحي أن يأكل من أضحيته، ويهدي الأقارب والجيران، ويتصدق منها على الفقراء، قال تعالى {وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} (27) (سورة الحج) وقال تعالى {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} (36) (سورة الحج) وكان بعض السلف يحب أن يجعلها أثلاثاً: فيجعل ثلثاً لنفسه، وثلثاً هدية للأغنياء، وثلثاً صدقة للفقراء، ولا يعطي الجزار من لحمها شيئاً كأجر.

أخي المسلم: إذا أردت أن تضحي ودخل شهر ذي الحجة فإنه يحرم عليك أن تأخذ شيئاً من شعرك أو أظفارك أو جلدك حتى تذبح أضحيتك، لحديث أم سلمة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (إذا دخلت العشر وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره) (رواه أحمد ومسلم)، وفي لفظ (فلا يمس من شعره ولا بشره شيئاً حتى يضحي) وإذا نويت الأضحية أثناء العشر أمسك عن ذلك من حين نيتك، ولا إثم عليك فيما أخذت قبل النية.

ويجوز لأهل المضحي أن يأخذوا في أيام العشر من شعورهم وأظفارهم وأبشارهم.

وإذا أخذ من يريد الأضحية شيئاً من شعره أو ظفره أو بشرته، فعليه أن يتوب إلى الله -تعالى- ولا يعود ولا كفارة عليه، ولا يمنعه ذلك عن الأضحية، وإذا أخذ شيئاً من ذلك ناسياً أو جاهلاً أو سقط الشعر بلا قصد فلا إثم عليه. وإن احتاج إلى أخذه فله أخذه ولا شيء عليه مثل: أن ينكسر ظفره فيؤذيه فيقصه، أو ينزل الشعر في عينه فيزيله، أو يحتاج إلى قصه، لمداواة جرح ونحوه.

فبادر أخي المسلم إلى القيام بهذه الشعيرة العظيمة ولا تكن من المحرومين الذين ينفقون الكثير ويذبحون الذبائح طوال العام، ثم إذا أتى العيد تكاسلوا وتهاونوا.

اللهم أعد علينا هذا اليوم أعواماً عديدة، وأزمنة مديدة، واجعلنا من عبادك الصالحين، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

د. عبدالملك القاسم



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد