كنت متفائلة بتوقعاتي وأحلامي حيال كرة القدم؛ لشعوري بأنها الوحيدة التي تبقى بعيدة عن المجاملات والتدخلات أو قلب الحقائق، ولقناعتي بأن أنظمة هذه اللعبة الرياضية التنافسية تعد أكثر عدلاً من أنظمة بشرية كثيرة، إلا أنني غيرت قناعاتي، وبدلت مفاهيمي حين تابعت بألم وحسرة تداعيات أحداث مباراتي كرة القدم بين منتخبي مصر والجزائر، مما أظهر بما لا يدع مجالا للشك أن ما حدث قبل وأثناء وبعد المباراتين يعكس صورة غير حضارية بين الأشقاء العرب!.
وسواء فازت الجزائر الغالية أو مصر الحبيبة فهما سفيرتان للكرة العربية، وعينان في رأس العرب. بيد أن ما تلا المباراتين من أحداث الشغب والتجاوزات التي أحدثتها الجماهير خيبت أملنا في (اللمة) العربية المأمولة، مما يستدعي إعادة النظر في الشعارات التي نطلقها بين وقت وآخر، لأنها أفقدتنا مصداقيتها. ويستوجب إعادة الحسابات، وتنظيف الصدور، وتوحيد الصفوف لتحقيق الهدف الكبير، والمنشود العظيم وهو تطهير بلادنا العربية من كافة أنواع الظلم والاضطهاد التي يتعرض له إخواننا في فلسطين الجريحة، ويستحثنا لرفع معايير الأداء العلمي والأخلاقي لتحقيق الطموح بالتحول إلى كتلة عربية تستطيع تحقيق الاكتفاء الاقتصادي والسياسي والفكري بعيداً عن تدخلات الدول الكبرى.
وفي الوقت الذي يتم فيه توظيف كرة القدم كأداة دبلوماسية لإنجاز بعض الأهداف الإستراتيجية، وإقامة المنافسات الرياضية في ملاعب كرة القدم لتذويب الفوارق وتقريب المشاعر بهدف تحقيق المصالح والمنافع المتبادلة اقتصاديا وسياسيا بما يصب في مصلحة الشعوب، نجدها استخدمت كأداة للتأليب ونشر الكراهية، وإيغار الصدور بين الأشقاء.
ولكي لا تتحول كرة القدم إلى متنفس لتفريغ الإحباطات على مختلف أشكالها، فإنه يحسن بالعقلاء وقف الشحن الجماهيري والإعلامي، وتطويق هذه الأزمة العابرة قبل استفحالها وتحولها لأزمة سياسية ينتظرها الأعداء ونحن في غنى عنها. وهي أمنية أُطلقها، ويشاركني جميع العرب؛ لإيماننا بأن الدولة الفاشلة هي فقط التي تشجع التوتر والحماس الرياضي غير المنضبط بين الجماهير الرياضية سواء مع غيرها، أو داخل حدودها.
وحين يتبادل المصريون والجزائريون الهجوم في بعض الصحف والفضائيات وعدد من مواقع الإنترنت التي تنال من كبرياء هذين البلدين، فإننا نكاد نجزم بأن هناك جهات أجنبية وإعلاما خارجيا يسعى لتعميق الفرقة، وتوسيع دائرة الخلاف، وغرس الفتنة بين الجانبين، وزرع الأحقاد بين الشعبين. بل إن حالة الاحتقان الواقعة حاليا بين الجزائر ومصر تبيّن أن هناك أزمة حقيقية تعيشها العلاقات العربية، وتطفو على السطح بين آن وآخر، فهي تظهر عند كل حالة اختلاف أو تعارض حتى في وجهات النظر، وتبرز حالياً عبر استخدام الرياضة كوسيلة للتعبير عن رواسب نفسية قديمة لم يتم تطهيرها، تماما مثلما يبدأ الإخوة الأشقاء حين استرجاعهم ذكريات الطفولة والاعتداءات البريئة بينهم آنذاك.
وأن تتحول كرة القدم إلى استفزازات متواصلة تصل لحد تشويه الثوابت التاريخية، أو حرب باردة ومعركة مشتعلة بين بلدين لديهما علاقات تاريخية عريقة ومصالح مشتركة تلهبها مشاعر جماهيرية صاخبة؛ فإن ذلك يعد فتنة متوحشة من محبوبة الجماهير!.
rogaia143@hotmail.Com
www.rogaia.net