Al Jazirah NewsPaper Tuesday  24/11/2009 G Issue 13571
الثلاثاء 07 ذو الحجة 1430   العدد  13571
ماذا جرى وماذا يجري في مشرقنا المأزوم..؟
د. حسن بن فهد الهويمل

 

لا أحسبنا نذكر مقولة: (أكلت يوم أكل الثور الأبيض) قد تكون الذاكرة على علم بحكمٍ وأمثالٍ، وآيات وأحاديث وقصص وأخبار تدور كلها حول قيمة الوحدة ونبذ التنازع ووضع حد للنزاعات الجانبية،

ولكنها ليست على وعي بشيء من ذلك، لأنها لو فعّلت ما حفظت لكان لها أن تراجع نفسها بين الحين والآخر بحيث لا تفوّت مصلحة مصيرية لحساب مصلحة زائلة، وبحيث لا تركن إلى من لا يراعي فيها إلاًّ ولا ذمة.

الواقع العربي بحاجة إلى مراجعة شجاعة تحمل الإنسان المتصدر على الاعتراف بالخطأ على سنن يوسف عليه السلام حين جاء أهله أجمعون، إذ لم يُهزِّئ إخوته الذين غدروا به وألقوه في غيابة الجب واتهموه بالسرقة، ولم يواجههم بذنوبهم، ولم يغلظ عليهم القول، بل قال بكل شجاعة وثقة ونبل.. { وَجَاء بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي}، فالشيطان لم ينزغه وإنما نزغ إخوته، ومن أراد حلَّ المشاكل المستعصية بينه وبين إخوته وجيرانه فليعط شيئاً من التنازلات التي تفتح شهية التفاهم والتصالح والإيثار. والأمة العربية تعيش راهنا مأساوياً، لا يمكن تصوره ولا احتماله، ولقد مرت قوميات وقارات بمثل ما مرت به الأمة العربية في راهنها، ولكنها استيقظت في اللحظة المناسبة وتداركت أمرها مثلما تدارك الحكماء (عبساً) و(ذبيان) بعدما تفانوا ودقوا بينهم عطر منشم، والذي يقرأ ما جرى للأوروبيين من حروب طاحنة أكلت الرطب واليابس ثم ينظر إلى مراجعتهم لحساباتهم وتناسيهم للمرارات والدماء والدمار في سبيل تدارك أنفسهم يكبر فيهم ذلك، ويعرف أن العقل يغيب، ولكنه لا يموت، وما يوده العقلاء من أبناء الأمة العربية للأمة العربية أن تصحو في اللحظة الحاسمة، وهي بلا شك مهيأة شعورياً لذلك، وليس أدل على ذلك من قبولها للمبادرات التوفيقية، ولعلنا نتذكر مفاجأة الملك عبدالله للمؤتمرين حين أعلن الرغبة وأبدى التنازل وتحمل شطراً من المسؤولية، لقد ضجت القاعة بالتصفيق، وغطت تلك المبادرة التوفيقية وسائل الإعلام وفتحت آفاقاً من التفاؤل، ولو أعقبت تلك الخطوة خطوات وأحسَّ القادة بمسؤولياتهم لكان لزاماً على كل شاذ أن يعود إلى جادة الصواب، وقديماً قيل: (العاقل من وعظ بغيره) فكيف بنا ونحن لم نوعظ بأنفسنا، لقد اجتاح المد الثوري أقاليم عربية كثيرة، ودفعت الشعوب أثماناً باهظة من دمها ومالها وأمنها وكان عليها أن تعي الدرس، وأن تجتاز تلك المراحل العصيبة في سبيل الوصول إلى حكومات مدنية ترتد إلى الداخل لتمنح المواطن مزيدا من الثقة والاستقرار وتمكنه من استثمار طاقاته وإمكاناته لبناء دولته على ضوء متطلبات المرحلة.

وحين ننحي باللائمة على تلك المآلات الموجعة لا نود البحث عن مشاجب، كما لا نود أن يتأذى من الموعظة أحد، فنحن أحوج ما نكون إلى رأب الصدع وإقالة العثرة، ومن ثم فإننا نعي كم هو الفرق بين النصيحة والتعبير، ومهما حاولنا تلطيف الأجواء، فإننا لا نستطيع تبرير الأخطاء الفادحة التي يعاني منها الإنسان العربي، إن الواقع العربي واقع مؤلم، حتى لقد هم بالأمة من لا يساوي بعدده عدد حي من أحياء عاصمة عربية، وتخوفنا أن تحين نبوءة من لا ينطق عن الهوى، وأن نكون المقصودين بالتحذير في قصة تداعي الأمم كما الأيدي تتداعى على القصعة، وحين تساءل الصحابة:

- أمن قلة نحن يومئذ؟

قال صلى الله عليه وسلم: لا.. ولكنكم غثاء كغثاء السيل، إن الغثائية التي حذر منها الرسول قائمة، فالأمة العربية من المحيط إلى الخليج، لو اجتمعت كلمتها ونبذت خلافاتها، وارتدت إلى الداخل لكان بإمكانها أن تدفع عن نفسها بعض ما تعانيه من هوان، وإذ لا نتوقع وحدة في الصف والهدف، فإننا نتطلع إلى أدنى حد من التعاذر والتصالح والثقة والتداعي عند الملمات، وأحسب أن ذلك أضعف الإيمان.

والمؤلم أننا في ظل هذه الظروف المأزومة لا نجد بارقة أمل، لقد كان الصراع من قبل بين الساسة، فيما يقوم الوفاق بين من دونهم من المفكرين والأدباء وحتى الرياضيين، ولكن الداء السياسي امتد دخنة ليقوم التنازع والتنابز بالألقاب بين مختلف الأطياف والمذاهب والاتجاهات والشرائح.

ولقد كان الانتماء للوطن بوصفه مثابة للعقيدة والثقافة ولكن التخوف دب في النفوس فأصبح الانتماء للقبيلة والإقليم والطائفة ولقد كان التطاول محكوما بضوابط أخلاقية ودينية ولكنه اليوم خرج على كل ضابط وفسق عن أمر ربه.

والأمة في ظل هذه الأوضاع لن تبقي على شيء من كرامتها ولن تصل بسفينتها إلى بر الأمان، وما لم يتدارك الساسة والعلماء والمفكرون والإعلاميون الأمر، فإن مصير الأمة في خطر، ومن استبعد المصير المحتوم فليتذكر الفردوس المفقود؛ وما الأمة - والحالة كذلك - عن هذا المصير ببعيدة.

لا نقول ذلك يأساً ولا قنوطاً ولا تشاؤماً، ولكن عين الحقيقة، والتاريخ الإنساني حافل بحضارات سادت ثم بادت ودول قامت ثم سقطت، فهل نصحو في اللحظة المناسبة؟ ذلك ما كنا نبغي.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد