أنقل لكم اليوم، وعبر هذا المقال، صورة واقعية لأحوال شباب مدينة الرياض في إجازة نهاية الأسبوع التي أصبحت كابوساً حقيقياً لكثير منهم؛ حيث يعاني شباب الرياض من شح الأماكن الترفيهية التي تحتويهم وتجعلهم يقضون وقتاً ممتعاً خلال عطلة نهاية الأسبوع أو الإجازات الطويلة؛ لذلك تجدهم يتجمهرون ويتجمعون بمنظر مؤلم ومخجل حول بوابات الأسواق ومنافذها؛ أملاً في أن يعطف عليه رجل الأمن ويسمح له بالدخول، وذلك يعتبر من الحالات النادرة الحدوث أو ترأف عليه امرأة كبيرة في السن وتدخله على أنه ابنها (محرمها)، وفي حقيقة الأمر هي التي أصبحت محرماً له لدخول أرض الأحلام (المول)!
بل إن هناك ظاهرة حديثة ومكسب ربح جديد تعيش عليه بعض الأسر حين لا تفلح محاولات بعض الأسواق التجارية والمنتزهات الترفيهية المخصصة للعوائل في منع دخول الشباب، وذلك من خلال طرق مبتكرة وحديثة لخداع رجال الأمن عند البوابات بتوفير جواز مرور مؤقت يسمح للشباب بدخول المجمع التجاري حين يمشون إلى جانب فتاة على أساس أنه معها بـ50 ريالاً!
كل ذلك وأكثر يحدث عند منافذ المجمعات التجارية.. منظر مألوف ويتكرر في كل نهاية أسبوع.. شباب ضائع لا يعرف أي مكان يحتويه ويحتضن طاقاته ورغبته في التنفيس والمتعة.
في كل شهر تقريباً نشهد ولادة مجمع تجاري جديد ومنتزه ترفيهي يحرص كل الحرص على إطلاق وتنفيذ شعار للعائلات فقط!
وكأن الرياض تتآمر على الشباب وتلغي وجود هذه الفئة العمرية فيها وترغمهم على الاختيار بين أماكن محدودة لا تتعدى الاستراحات والمقاهي والأرصفة أو أخيراً الدوران بلا وجهة في الشوارع والأزقة.
الكل يتذمر من الشباب ويشتكي من الزحمة التي يتسببون فيها في الشوارع وأمام المجمعات والمنتزهات، ولم يسأل أحد: أين يذهب هؤلاء الذين يقتلهم الفراغ يوماً بعد يوم؟
فلا مأوى ولا متعة ولا طعم لإجازة نهاية الأسبوع، بل هي كابوس مزعج وألم لا دواء له حتى يومنا هذا.
لماذا لا توجد أماكن ترفيهية بمواصفات عالمية تليق بشبابنا؟!
حدائق كبرى مثلاً بها مقاه عالمية ونشاطات ترفيهية متنوعة، كركوب الخيل، والرماية، ومضمار للمشي، ونشاطات رياضية متعددة بدخول رمزي معين.
أعتقد أنه من حق شباب الرياض علينا أن نوجد لهم أماكن راقية بمواصفات حديثة (نوادي كرة قدم وسباحة) متطورة ليست جامحة بأسعارها، حدائق فخمة، أنشطة ثقافية وغيرها الكثير؛ لكي تستثمر أوقات هذه الفئة الاستثمار الأمثل والأجمل بما يعود عليها بالنفع والفائدة، ولا شك المتعة، وقبل ذلك على دينها ووطنها.
فإلى متى يطرد شبابنا من الأسواق ويشردون في الشوارع؟!
وإلى متى يعيش في هذا الوطن ويستمتع من يخوله رصيده البنكي لشراء استراحة راقية أو مزرعة فارهة أو السفر إلى دبي والبحرين وغيرهما..؟
وإلى متى تضيع أرواح العشرات في منتزهات (الثمامة) التي تفتقر إلى أدنى معايير السلامة في ركوب الدرجات النارية أو سباق السيارات؟!
وإلى متى نرى شبابنا منثورين على أرصفة الأزقة وفوق كثبان الرمال على جوانب الشوارع البعيدة؟!
فإلى المسؤولين والمهتمين بشؤون الشباب أقول: ليس كل من تعرف يملك استراحة مجهزة بالوسائل الترفيهية مثلك! أو بإمكانه تحمل مصاريف اشتراك في نواد رياضية جامحة في أسعارها، بل إن الأغلبية تتمنى ذلك، ولكن ظروفها الاقتصادية الصعبة أرغمتها على افتراش الأرصفة، وقضاء الإجازات في الرياض، على الرغم من لهيبها الصحراوي؛ فهؤلاء أمانة في رقابكم.. وأوقاتهم وطاقاتهم ثروة تضيع من بين أيديكم.
فأين جهود الرئاسة العامة لرعاية الشباب؟! ولماذا تركز على رعاية النخبة فقط؟ ثم هل من الممكن أربعة أندية فقط تحتوي شباباً بحجم ومساحة مدينة الرياض؟!
أين جهود وزارة التربية والتعليم، ووزارة الشؤون الاجتماعية، ووزارة التعليم العالي، ووزارة الداخلية، وأمانة منطقة الرياض، والإمارة؟!
كل هذه الجهات معنية ومسؤولة أمام الله قبل الشباب.
أخيراً أدعو المسؤولين نصف ساعة من وقتهم للتجول في شوارع الرياض، وتحديداً في العليا والتحلية، في نهاية الأسبوع؛ لتتضح لكم جلياً مدى ما يعانيه هؤلاء الشباب من الفراغ والضياع والكبت الذي أفرز ظواهر مؤلمة تزداد يوماً بعد يوم.
إن هذا الأمر يحتاج إلى جهود مشتركة وموقف حازم وجاد لتنسيق وانسجام الرؤى والأفكار من جميع الأجهزة الحكومية المعنية لاستثمار أوقاتهم وطاقاتهم؛ حتى لا يضيع شبابنا بين مدمن ومجرم وإرهابي؛ فإن مصير كل أمة يتوقف على شبابها.
نبض الضمير:
(إن الشباب والفراغ والجدة
مفسدة للمرء أي مفسدة)
* * *