يبدو أن الأزمة الدبلوماسية بين مصر والجزائر، ازداد وهجها بعد مباراة منتخبيهما في الخرطوم - قبل أيام -، وتواصل ارتفاع توابع حدة الحدث على الصعيدين - الشعبي والإعلامي -، - خاصة - بعد استخدام آيات قرآنية، ومفردات عسكرية أسقطت
على تلك المباراة، من أجل إشعال روح الانتماء الوطني، أدى إلى انفجار جماهيري غير واع، الذي أصبح - وللأسف - رهنا لخطاب إعلامي غير مسؤول، اختصر مفهوم الانتماء للوطن الكبير في مباراة كرة القدم، وذلك منذ بدء التنافس الكروي بين البلدين للتأهل لمونديال كأس العالم القادمة.
ما حدث بين مصر والجزائر، أثمر أجواء مشحونة ومتوترة على جميع الأصعدة، لا تسر أحدا، فسارت الأمور نحو منحى مأساوي آخر. وأصبحت النظرة الاستعلائية غير مقبولة بين بلدين شقيقين على الإطلاق. وستكون الأمور أكثر خطورة إذا لم تدار تلك الأزمة بحنكة سياسية فاعلة، وبمسارات معاكسة لخط التدفق الإعلامي، قادرة على تغيير الأحداث، وإعادة ترتيب المشهد بحقائقه المغيبة.
في ذيل عالم مهووس بالتنافسية، وشحن الجماهير إلى مستوى تجاوز الحدود، وتسريب شائعات مغلوطة، وإيقاظ الحمية الوطنية، والنعرات الإقليمية عند صراع الأقدام على الكرة، والزج بها في مستنقعات الهيستيريا والفتنة، نحتاج - بالدرجة الأولى - إلى إعلام - مرئي ومكتوب - واع، يحافظ على مصداقيته، ويحترم الإنسان العربي لينقل له الحدث بدقة وأمانة، دون احتقان وتحريض وعنف، ليس لها علاقة بأي أجندة سياسية، بل بدبلوماسية رياضة - كرة القدم - لتتقارب الدول عن طريق تطبيع العلاقات المتوترة، كالذي حدث بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين في السبعينيات. فما حدث بين البلدين الشقيقين كان نتيجة نقل معلومات مشحونة، وتراكم إرث كبير منذ بدء التنافس الكروي.
ألا يحق لي بعد ذلك كله، أن أتساءل كما تساءل أخي أيمن بكر: إذا كانت المباراة أمرا سطحيا وتافها في حد ذاته، خاصة مع ضعف مستوى الفرق العربية في كأس العالم، وخروجها المخجل من الأدوار الأولى للبطولة؛ وإذا كانت غالبية الشعوب التي احتشدت خلف فرقها تعاني من كوارث الفساد والفقر والتجهيل المنظم والتطرف الفكري والتلوث البيئي والكبت السياسي، وغيرها من المشاكل التي تهدد مستقبلها على مستوى استمرار الحياة نفسها؛ فما الذي يفسر هذا التعلق الشعبي الغريب بمباريات الكرة؟ وكيف يمكن أن نقرأ جانباً من الواقع الثقافي العربي عبر هذه النافذة المشرعة؟
drsasq@gmail.com