Al Jazirah NewsPaper Monday  23/11/2009 G Issue 13570
الأثنين 06 ذو الحجة 1430   العدد  13570
بين قولين
البقاء للأعتى
عبدالحفيظ الشمري

 

مقولة: (البقاء للأصلح) في أعمالنا ومعاملاتنا ومواقفنا لم تعد محققة لشرطيتها، أو محافظة على وجودها الإنساني، أو بقائها المعنوي بين الناس، فبات (الأصلح) بتعامله وسلوكه في مهب رياح التلاشي، لتحل مقولة: (البقاء للأعتى) مكان مقولة الأصلح، فتصبح هي البديل عن هذا الهاجس الإنساني النبيل.

درج البعض على نعت الإنسان الذي يعمل بصدق ونزاهة بأنه (على نياته) فكأن البعض يتصور ألا مكان للطيبة والظنون الجميلة والتعاملات الإنسانية لأنها لم تعد مستساغة، بل إن البعض يصف اللص والمرتشي بالذكي، بل يهيل على بعض المتسلقين والوصوليين والمتكاذبين ما يشبه المديح الخالص: (هؤلاء شياطين.. وصلوا لأهدافهم) بصرف النظر عن أي كيفية وصلوا بها إلى تلك المصالح، أو المناصب، أو المنافع.. فهل هم شياطين فعلاً، ولماذا وسموا بهذا الصفة؟!، وهل هو نعت موروث طال أحدا من أهلهم؟!

(البقاء للأعتى) مصطلح يفرض وجوده في العمل الإداري، وفي الكثير من المرافق الخدمية والمصالح الإنسانية، فهو الذي يتطلب قدرة عجيبة على التحول والتلون، والتعاطي مع الرياء، والتظاهر بمناصرة النظام، والتمتع بالحقوق والحوافز والثقة المفرطة وعدم المسائلة لأي شخص تثبت للجميع نوازعه التسلطية، وفشله الإداري وفساده المالي.

و(الأعتى) ربما الموظف السليط الذي يَهُبُّ في الناس عند باب إدارته لا سيما من يأتي من مناطق بعيدة يطلب حاجته، ويتطلع إلى إنصافه في أي مظلمة قد وقعت عليه، أو حتى من يظن أنه صاحب حقا، فبدلا من أن يوضح له هذا (الموظف - المسؤول) أو ذاك الأمر فقد يمارس أمامه التعالي، وربما يزدريه، وهذا التصرف غير المسؤول من المسؤول يندرج تحت مصطلح (الأعتى)..

الإدارات الخدمية، ومكاتب الأعمال الجماهيرية باتت تكرس هؤلاء، لتبحث لهم عن أي مبرر، أو منفذ ليبقى في مكانه، أما بعقد عمل، أو بتكليف وهمي، أو بمحاولة أن يكون متسلطاً لأطول مدة ممكنة.

المجال الذي تكثر فيه هذه النزعات المتسلطة هي المناصب في الإدارات الخدمية، ومراكز الاتصال الجماهيري لا سيما حينما تكون وظائف مغرية تنغرس فيها شهوة المسؤولية مقترنة بحب التسلط، ورغبة الوصول إلى أي هدف مادي بصرف النظر عن كنهه وتوجهه، فالمهم لديه - بكل أسف - هو أن يكون متزعماً أي صلاحيات تجعله يتظاهر فيها بأنه فوق الجميع.

فلا وجود للأصلح إلا فيما ندر، وربما يكون البحث عن هذا المصطلح في نظر بعض المتشائمين، أو الواقعيين أنه نوع من أنواع البحث عن الإبرة في أكوام القش، وهؤلاء هم من يجأرون في الشكوى من تبدل مصطلح (البقاء للأفضل) إلى (البقاء للأعتى).



Hrbda2000@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد