Al Jazirah NewsPaper Monday  23/11/2009 G Issue 13570
الأثنين 06 ذو الحجة 1430   العدد  13570
الشيخ عبدالرحمن بن سعدي والتعليم الشرعي الأهلي (3)
د.عبدالله الصالح العثيمين

 

بعد التوطئة التي أوردت في الحلقتين السابقتين يبدأ من هنا الحديث عن الشيخ عبدالرحمن، الذي هو الهدف الأساس من الكتابة، ولعلّ من المستحسن قبل الحديث عن حياة ذلك العالم الجليل وجهوده وثمار علمه أن يشار باختصار إلى الأمور الآتية الخاصة

بالأرضية التي عاش ذلك الشيخ العلاّمة في وسطها:

الأمر الأول: أن إقليم القصيم، الذي وُلد فيه الشيخ عبدالرحمن، وتعلّم وأعطى ما أعطى من علم وفير وقام بما قام به من جهد عظيم، اقليم جذب سكاني في نجد؛ فكثير من حاضرته قدموا إليه من أقاليم نجدية أخرى؛ بل ان منهم من أتى إليه من مناطق خارج نجد. ومن أهم الأسباب التي جعلته إقليم جذب سكاني وفرة المياه فيه؛ وبخاصة أن وادي الرمة الكبير يخترقه وينتهي إليه في الفترة المتحدث عنها، مما يساعد على قابليته الزراعية؛ إضافة إلى مناسبة موقعه ليكون نقطة انطلاق للتجارة مع الشام، ومن ثم إلى العراق وفلسطين ومصر. وكان للشام بالذات أهمية بالنسبة لمن قلّت موارده؛ وهي أهمية عبّر عنها المثل الشعبي القائل: (الشام شامك إلى مِنّ الدهر ضامك). ومن المعلوم أن الزراعة والتجارة ركنان أساسيان من أركان القوة الاقتصادية.

الأمر الثاني: أن إقليم القصيم - كما ذكر الشيخ محمد بن عبدالوهاب في إحدى رسائله -لم يكن فيه ما كان في بعض اقاليم نجد، قبل دعوة الشيخ محمد، من قبب على قبور يتوسل بها، أو سادة تقدم لهم النذور تبركا. على أن المصادر -في واقع الأمر- لم تذكر إلا وجود قُبَّة واحدة في نجد هي تلك التي كانت مقامة على قبر في بلدة الجبيلة يقال: إنه قبر زيد بن الخطاب، رضي الله عنه، الذي استشهد في المعركة مع مسيلمة الكذاب في حرب الردّة.

الأمر الثالث: أن بلدة عنيزة بالذات شهدت وجود علماء كان منهم من تعلّم خارج نجد، كما حظيت بإقامة الشيخ عبدالله ابابطين فيها مدة تقرب عن عقدين؛ وهو من هو؛ جلالاً وقدراً ومقدرة علمية، وكان لذلك كله ما له من أثر في توسّع المدارك والانفتاح على أكثر من فرع من فروع المعرفة.

فمن هو الشيخ عبدالرحمن بن سعدي ابن ذلك الاقليم ونبتة تلك البلدة؟ كثيرة هي الكتابات التي تناولت حياة ذلك العالم السبّاق فضلاً وريادة علمية واجتماعية. وفي طليعة تلك الكتابات ما كتبه عنه الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن البسام - رحمه الله - في كتابه علماء نجد خلال ثمانية قرون. وقد جاءت كتابة الشيخ عبدالله عن أستاذه الشيخ عبدالرحمن وافية؛ أسرة ومولداً ونشأة وتعلّماً وتعليماً وتأليفاً وإسهاماً اجتماعياً وتعاملاً أخلاقياً رفيعاً. على أن في كتابات أخرى ما يضيف أضواء منيرة على تلك الجوانب أو على بعضٍ منها.

ومن هذه الكتابات ترجمة الشيخ محمد بن عثمان القاضي له (1)، ودراسات قام بها باحثون بينهم الباحث عبدالرزاق العباد (2)، والدكتور عبدالله بن سابح الطيار (3)، والأستاذ عبدالله الرميّان (4)، وفي كل من تلك الكتابات والدراسات خير كثير وجهد مقدّر.

وفي رسائل الشيخ عبدالرحمن إلى الشيخ عبدالله بن عقيل، الذي كان من تلاميذه ومن أعز أصفيائه، فائدة كبيرة موضحة لجوانب من آرائه في مسائل علمية، وجهوده وطريقته المثلى في الدعوة والشأن الاجتماعي (5)، كما أن في الكتاب الذي أعدّه ابن الشيخ عبدالرحمن، محمد، وحفيده مساعد بعنوان مواقف اجتماعية من حياة الشيخ العلامة عبدالرحمن بن ناصر السعدي، ما يفيد في المقارنة والدراسة (6)

ويمكن أن يقال باختصار - في ضوء كل ما سبق ذكره من مصادر ودراسات -: إن الشيخ عبدالرحمن هو ابن ناصر بن عبدالله بن ناصر بن حمد آل سعدي من بني عمرو، أحد فروع قبيلة تميم المشهورة، وكانت مساكن بعض بني عمرو في بلدة قُفار باقليم جبلي طيء (المسمى في الفترة الأخيرة جبل شمّر) وقد انجذبت أسرته - كما انجذبت أسر أخرى - إلى إقليم القصيم، فقدمت إلى بلدة عنيزة من بلدة المستجدة، التي تبعد عن حائل 125 كيلاً جنوباً؛ وذلك في حدود عام1120هـ. ومن المرجح أن حالة تلك الأسرة حالياً كانت حسنة بعد استقرارها في موطنها الجديد.

ولعل هذا كان من أسباب إتاحة الفرصة أمام والد الشيخ - المولود عام 1243هـ، لينال حظاً من التعلّم حتى أصبح واعظاً وقارئاً للحديث بين يدي شيخه علي بن محمد الراشد في جماعة المسجد الجامع بعنيزة بعد صلاة العصر وقبل صلاة العشاء (7) وكان الشيخ علي ينيبه في إمامة الجامع عند سفره، ثم أصبح إماماً لمسجد المسوكف حتى وفاته عام 1314هـ.

أما والدة الشيخ عبدالرحمن ففاطمة بنت عبدالله بن عبدالرحمن بن عثمان (ولقبه عثيمين) من آل مقبل من آل وهبة من تميم، وكان مقر أسرتها في بلدة أشيقر، ثم أنجذبت الى عنيزة، واستقرت فيها في النصف الثاني من القرن الثالث عشر الهجري.

وهكذا، ولد الشيخ عبدالرحمن؛ أباً وأماً، من أسرتين تميميتين كان لبلدة عنيزة ما لها من جاذبية أغرتها بالاستقرار فيها. وكان مولده الميمون في الثاني عشر من شهر محرم عام 1307هـ. وشاء الله وقدّر ان تتوفى والدته؛ وهي في طريق عودتها من الحج، وله من العمر أربع سنوات فقط، وأن يتوفى والده، أيضاً، وله من العمر سبع سنوات. لكن لطف الله به كان عظيماً؛ إذ كفلته زوجة والده، أم أخيه حمد المولود عام 1292هـ، رقية العرينان من قريش، وحنت عليه حنو المرضعات على الفطيم، ونشأ في ظل حنوها ورعاية أخيه الأكبر حمد، الذي كان حافظاً لكتاب الله، نشأة صالحة كريمة، وظهرت عليه علامات النبوغ وحب التعلم منذ الطفولة. فحفظ القرآن الكريم في مدرسة المعلّم سليمان الدامغ؛ وهو في الثانية عشرة من عمره، ثم انطلق يتعلّم العلوم الشرعية والعربية المختلفة على علماء بلدته حتى تفوق على أقرانه؛ حفظاً وفهما. بل إنه أصبح مدرساً يتحلق حوله بعضهم مع آخرين غيرهم؛ وهو في الثالثة والعشرين من عمره. وفي العام الذي بدأ فيه التدريس بدأ يقرأ أمام شيخه صالح بن عثمان القاضي، إمام المسجد الجامع - على جماعته ما يقرّره ، أو يشرحه، ذلك الشيخ.

وإلى اللقاء في حلقة قادمة إن شاء الله

هوامش:

1- روضة الناظرين عن مآثر علماء نجد وحوادث السنين

2- الشيخ عبدالرحمن السعدي وجهوده في توضيح العقيدة، رسالة ماجستير قدمت إلى الجامعة الإسلامية في المدينة سنة1407هـ.

3- الشيخ عبدالرحمن السعدي مفسّراً، رسالة ماجستير قدمت إلى جامعة الإمام محمد بن سعود، الرياض 1406هـ

4- الجهود الدعوية والعلمية للشيخ عبدالرحمن بن سعدي، الرياض 1419هـ

5- نشرت هذه الرسائل بإعداد الأستاذ هيثم الحداد، وإشراف الشيخ عبدالله بن عقيل نفسه، بعنوان الأجوبة النافعة عن المسائل الواقعة، ط2 الرياض1430هـ.

6- نشر في الرياض عام 1428هـ.

7- الشيخ علي من الأساعدة من عتيبة. وقد انتقل أبوه من الزلفي إلى عنيزة، فولد ابنه الشيخ علي فيها سنة 1223هـ، وتعلّم فيها، ثم سافر الى الزبير ودرس هناك، وعاد ليجد من حسن الحظ الشيخ عبدالله أبا بطين قاضياً فيها، فلازمه ثم خلفه في قضائها حتى توفي بها عام 1303هـ.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد