Al Jazirah NewsPaper Monday  23/11/2009 G Issue 13570
الأثنين 06 ذو الحجة 1430   العدد  13570
الرئة الثالثة
الكتابة.. متى تكون أو لا تكون!
عبد الرحمن بن محمد السدحان

 

يتردد السؤال التالي على شفاه بعض المتابعين لما يجود به قلم كاتب هذه السطور، (متى تكتب.. وسط كثافة عملك الحالي وآليّاته وتداعياته، التي تستغرقُ من الوقت كلّه أو جلّه)؟

* *

* وأعترف بدءاً أن حالةً من الفرح تعمرُ وجداني كلما صافح سمعي هذا السؤال، لسببين:

- أحدهما: أن السؤال مؤشر ثقة أعتز بها، وهي حافز لي للاستمرار -بإذن الله- رغم كل ظرف من زمان أو مكان أو عمل، ما دمت ملتزماً بمسؤولية الكتابة موضوعاً وأدباً وأخلاقاً!

- أما السببُ الثاني: فهو ما يضمره السؤال من احتفاء السائل بهذا القلم، واحتفاله بما يرسم على الورق من زُبْد الحديث أو زَبده.. أو المزيج من هذا وذاك!

* *

* والحق أقول إنه ليس أقسى على وجدان أي كاتب يجل شرف الكلمة وأمانتها من الشعور يوماً بغياب الثقة بينه وبين قُرائه، هذا لا يعني أن على هذا الكاتب أو ذاك أن يرضي كل قارئ.. فتلك مهمة عسيرة ترقى إلى هام المستحيل.. لكن الثقة التي يحلم بها الكاتب في تكييف علاقته مع قرائه تتأتّى من تحري الحقيقة فيما يكتب.. والصدق فيما يرى، والولاء للثوابت التي لا يمكن تجاوزها، ثم لا يهم بعد ذلك أن يرضى هذا الفريق أو ذاك من القراء. والعقلاء من الناس لا يهمهم أن يتّفقوا مع كل ما يطرحه الكاتبُ قدر ما يهمهم أن يكون هو نزيه النيّة صادق المضمون، عقلاني الرؤية والنتيجة، ثم ليتفق معه بعد ذلك أو يختلف من شاء!

* *

* آتي الآن إلى الرد على السؤال: (متى تكتب) فأقول:

- ليس بيني وبين الكتابة (عقد) ينظم علاقتي بها، أو يقنن مواعيد زيارتها وإقامتها أو رحيلها!

- فهي تزورني متى شاءت، لا حين أشاء!

- وهي ترحل عني متى شاءت.. لا حين أشاء!

- وهي تمنحني بحضورها قدراً وقدرة على التعبير بقدر ما تستشرفه أو تستقرئه في خاطري من فرح الدنيا وترحها!

- وهي (تقرأُ) وساوس النفس الشفافة، فتمنحها مدى من التعبير يلائمها!

- وهي تترجم عبراتي وزفراتي متى حلّ بساحتي الحزن.. أو ألمّ بي الغيظ إنكاراً لموقف أو استنكاراً لحال!

- وهي تشاطرني ترانيم الفرح متى أشرق في سمائي فجر الخلاص من همّ، أو هلّ الفرج من ضيق!!

* *

* وبمعنى آخر، الكتابة الجادة، لا تخضع لضوابط زمان أو مكان.. بل تخترق فضاء الكاتب بلا موعد، وتغادره بلا إذن! وحين تحل بساحة الخاطر..

تقرن حضورها بإلهام عجيب: حيناً يكون سُحباً تقطر عطراً وحيناً يكون حمماً تمطر جمراً!

* *

* هكذا.. أرى الكتابة وهكذا أتمنّاها: تجربة ذاتية من (ألم) الإبداع يغزو مجاهل النفس في لحظة لا تخضع لمقياس الزمان أو المكان، ثم تمضي تبحث في بؤرة النفس عن أصداف التعبير الجميل والمعنى الأجمل!

* *

* أما إذا تحوّلت الكتابة إلى طقوس من الواجب المقنن بظروف يمليها الزمان أو المكان، أو صارت صراطاً من الشوك الرخيص يعبره الكاتب النزيه بحثاً عن اللقمة الحلال أو شبه الحلال، حينئذ يتعين على الكاتب أن (يمتنع) طوعاً عن الكتابة قبل أن تهجره الكتابة زهداً فيه أو قبل أن (يُمنع) هو عنها كرهاً بغياب ثقة القارئ فيه، ورضاه عنه، وتقديره له!!

* *

* أخيراً.. هناك من يتهم هذا القلم بشيء من الغلو في انتقاء الكلمات وصياغة الجمل.. فيما يكتب، وأردّ على ذلك بالقول إن هذه أشرف (تهمة) تلصقُ بكاتب جاد يعشق لغته.. وأُعلن اليوم على الملأ أنني (متيم) بلغة الضاد حتى النخاع، فلماذا إذاً لا (أبوح) بذلك فيما أكتب؟!




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد