يقولون وسائل اكتساب المعرفة متعددة، ما بين سفر وتطواف في شمال الأرض وغربها، واختلاط مع أهل العقول وتلاقح أفكار، وما بين تتلمذ على يد الكبار، وكل هذه بدون شك وسائل معرفية راقية، إلا أن الجميع ينص على أن من أهم هذه الوسائل -إن لم يكن أهمها- القراءة والتأمل في بطون الكتب وتقليب المصادر والمراجع.. الكتاب وسيلة ومصدر معرفي متكامل معك أينما حللت، وحيثما كنت.
المتأمل في كتب التراث يجد أن القراءة أو بالاصطلاح القديم (المطالعة) لها الحضور الأكبر في كتب التراث، ولا يكاد يخلو كتاب من كتب التراجم وسير الشخصيات العامة من وقفة مطولة مع القراءة بوصفها مصدرا معرفيا ثريا.
وأما قصص السالفين مع الكتاب فهي كبيرة وكثيرة جدا، فبعضهم لا يتوقف عن القراءة والتحصيل حتى إذا كان في دورة المياه للاغتسال يطلب من ابنه أو خادمه أن يقرأ من كتاب حتى يخرج، والجاحظ مات في المكتبة، وأبي العباس الوراق مات بسبب القراءة، وأن ابن تيمية العالم الموسوعي الكبير حين أراد أن يتأكد من موضوع معين يقول عن نفسه إنه قرأ أكثر من مائة كتاب بين كتاب كبير أو صغير حتى يكون رأيه دقيقا.
ويرى أحدهم أن الأسواق لا يليق بالرجال دخولها إلا سوق السلاح وسوق الكتب، وما عدا ذلك فمرفوض، وهناك من بيع بيته لأجل شراء مكتبه، وليتفرغ لقراءتها، وقصص تولع السالفين بالقراءة كثيرة جدا، ولا تنحصر، وما ذكرته هنا هو مجرد وصف اجتماعي دقيق لمحبتهم للكتاب، مما أعطاهم ريادة وحضور مميزا بين الأمم.
والآن لو تأملنا في نسب القراءة بين الغرب والشرق لوجدنا النتائج مخجلة في حقنا نحن العرب، مع أن أول كلمة أتي بها الوحي هي (اقرأ) !
وأخيراً: ألا نجدها مناسبة في هذه الإجازة ومثيلاتها مستقبلا من القراءة والتأمل في الكتب للنهوض بمستوانا المعرفي، وبالتالي النهوض بمستوى مجتمعنا الكريم.
Tyty88@gawab.com