Al Jazirah NewsPaper Sunday  22/11/2009 G Issue 13569
الأحد 05 ذو الحجة 1430   العدد  13569
جهود الدولة السعودية الأولى في خدمة المقدسات.. وصيانة الحج من البدع والخرافات
عبد الرحمن بن محمد زيد العرفج

 

ما إن دخلت مكة المكرمة تحت مظلة الدولة السعودية الأولى ووطئت قدم الإمام سعود بن عبدالعزيز بن محمد بن سعود -رحمه الله- هذه البلاد حتى قام ببعض الأمور التي تتفق مع الشرع الحنيف من تأمين الناس على أرواحهم وأموالهم وإلغاء الضرائب بغير وجه حق وإزالة الأعمال الشركية وهدم القباب، وقد كان من عادة والي الشام ووالي مصر في ذلك الوقت المجيء للحج بالمحمل وضرب الطبول والزمور إيذاناً بالحج، وهذا بلا شك فيه مخالفة للشرع وتعكير صفو الحج، ويذكر الريحاني -في كتابه تاريخ نجد الحديث- أن الإمام سعود حينما دخل مكة المكرمة كتب كتاباً إلى السلطان سليم الثالث هذا نصه (من سعود إلى سليم.. أما بعد: فقد دخلت مكة في الرابع من المحرم سنة 1218هـ وأمّنتُ أهلها على أرواحهم وأموالهم بعد أن هدمت ما هناك من أشباه الوثنية وألغيت الضرائب إلا ما كان حقاً، وثبتُّ القاضي الذي وليتهُ أنت طبقاً للشرع، فعليك أن تمنع والي دمشق ووالي القاهرة من المجيء بالمحمل والطبول والزمور إلى هذا البلد المقدس، فإن ذلك ليس من الدين في شيء، وعليك رحمة الله وبركاته).

ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل وصل إلى الضرب بيد من حديد على كل من يعكر صفو الحج ويدخل عليه البدع والخرافات، ومن ذلك عندما اجتمع الإمام سعود مع مصطفى جاويش أمير الركب المصري وحذره من المجيء بالمحمل للحج مرة أخرى وإلا سيقوم بإحراقه، ويروي الشيخ عبدالرحمن الجبرتي في تاريخه تفاصيل هذا الاجتماع بقوله (وصل حجاج المغاربة إلى مصر عن طريق البر وأخبروا أنهم حجوا وقضوا مناسكهم، وأن سعود.. وصل إلى مكة بجيش كثيف وحج مع الناس بالأمن وعدم الضرر ورخاء الأسعار وأنه أحضر مصطفى جاويش أمير الركب المصري وقال له ما هذه العويدات والطبول التي معكم -يعني بالعويدات المحمل- فأجابه أمير الركب المصري: هو إشارة وعلامة على اجتماع الناس بحسب عادتهم، فقال له: لا تأتِ بذلك بعد هذا العام) اهـ.

وقد امتدت جهود هذه الدولة المباركة إلى صيانة عقائد المسلمين من كل ما يشوبها من الممارسات الشركية والبدعية، وذلك عندما قام الإمام سعود ورجاله بإزالة جميع القباب والمشاهد الموجودة في مكة المكرمة في ذلك الوقت، ويروي المؤرخ عثمان بن بشر هذه الحادثة بقوله (ودخل سعود مكة واستولى عليها وأعطى أهلها الأمان وبذل فيها من الصدقات والعطاء لأهلها شيئاً كثيراً فلما خرج سعود والمسلمون من الطواف والسعي فرق أهل النواحي يهدمون القباب التي بينت على القبور والمشاهد) ا هـ، كما يصف الرحالة الأوروبي وسيتزن الذي اعتنق الإسلام وحج في عام 1225هـ وصف ما رآه في المدينة المنورة بقوله (وقد منع الناس من الاقتراب من الضريح النبوي والتعلق به وتلمسه بالأيدي لطلب الشفاعة) اهـ.

وكان ولاة الأمر آنذاك يؤدون شعيرة الحج على ما أمر الله به عز وجل وما جاء به رسوله الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، ففي وصف حجة الإمام سعود رحمه الله سنة 1225هـ يقول ابن بشر (حججتُ تلك السنة وشهدتُ سعوداً وهو راكب مطيته محرماً بالحج ونحن مجتمعون في نمرة لصلاة الظهر وخطب فوق ظهر مطيته خطبة بليغة ووعظ الناس وعلمهم المناسك وذكرهم ما أنعم الله عليهم به من الاعتصام بكلمة لا إله إلا الله.. ونادى وهو على ظهرها (أي المطية) ألا يحمل في مكة السلاح.. ودخل سعود بعد ذلك مكة وسار فيها سيرة حسنة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصدقات والعطاء والرأفة بأهلها وجعل في الأسواق رجالاً وقت الصلاة يحضونهم عليها، فلا تجد فيها وقت الصلاة متخلفاً إلا نادراً ولا تجد في الأسواق من يشرب التنباك ولا غيره من المحرمات) ا هـ، كما وصف (علي بك العباسي) الإمام سعود ورجاله وقد حج إلى مكة المكرمة في العام نفسه الذي دخل سعود مكة وصفهم بقوله (لديهم خصال حميدة ولا يسرقون قط لا عن طريق قوة ولا عن طريق حيلة.. وهم يؤدون أثمان كل ما يشترونه وأجور الخدمات التي تقدم لهم) اهـ.

وعلى الرغم من الدعوات المناوئة لهذه الدولة المباركة ومحاولة تشويهها والتشكيك فيما هي عليه من الحق إلا أن الله سبحانه أراد أن يمضي أمره وأن يجعل من عباده من يظهر ويبين الحق ويوضح ما عليه هذه الدولة من التمسك بشرع الله على منهج السلف الصالح، فقد شهد علماء مكة المكرمة والمدينة المنورة بأن ما قام به الشيخ محمد بن عبدالوهاب ودعا إليه الإمام سعود رحمهما الله من توحيد الله ونفي الشرك أنه الحق الذي لا شك فيه ولا ريب، ولما حج الأمير المغربي إبراهيم نجل سلطان المغرب سليمان في عدد كبير من المغاربة سنة 1226هـ وعادوا سئلوا عن سعود فقالوا (إنهم ما رأوا من ذلك السلطان (يعنون سعوداً) ما يخالف ما عرفوه من الشريعة، إنما شاهدوا منه ومن اتباعه ما به الاستقامة والقيام بشعائر الإسلام من صلاة وطهارة وصيام ونهي عن المنكر الحرام وتنقية الحرمين الشريفين من الآثام التي كانت تفعل بها جهاراً من غير نكير) ا هـ.

وقد سارت هذه الدولة المباركة على ما كانت عليه في بداياتها إلى هذا العهد الحديث بدءاً بالمؤسس الإمام عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود - طيب الله ثراه- وأبنائه البررة من بعده حتى هذا العهد الزاهر عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -حفظه الله- وآخر هذه الإنجازات مشروع تطوير جسر الجمرات الذي كلف مليارات الريالات، وقد صمم على أحدث المستويات العالمية بحيث يقضي على الزحام الذي يعانيه الحجاج في كل عام ومشروع توسعة المسعى، فجزى الله خادم الحرمين الشريفين خير الجزاء وجعل ذلك في ميزان حسناته.

وأخيراً وفي هذه الأيام التي تُثار فيها دعاوى تطالب بتسييس الحج وإخراجه من طبيعته الشرعية كركن من أركان الإسلام يتعبد الله به في أيام معدودات إلى مسيرات صاخبة ورفع الشعارات السياسية وتأجيج مشاعر المسلمين وتعكير صفو الحج وشق الصف يلاحظ القارئ الكريم أن سياسة هذه الدولة -حرسها الله- تجاه حفظ أمن الحج والمقدسات ثابتة لم تتغير منذ تأسيس اللبنات الأولى لها، فهل يعي أصحاب هذه الدعوات ألا تغيير في هذه السياسة؟؟

للتواصل مع الكاتب


a-mz-a@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد