Al Jazirah NewsPaper Saturday  21/11/2009 G Issue 13568
السبت 04 ذو الحجة 1430   العدد  13568
مدير عام (أوفيد) السيد سليمان الحربش:
الطاقة الأحفورية وبخاصة النفط حملت مسؤولية النمو الاقتصادي العالمي

 

بيروت - هناء حاج:

ألقى مدير عام صندوق الأوبك للتنمية الدولية (أوفيد) السيد سليمان الحربش كلمة خلال الجلسة الافتتاحية للمؤتمر السنوي للمنتدى العربي للبيئة والتنمية والذي أقيمت دورته الثانية في بيروت في 19و 20 نوفمبر الحالي. وكانت الكلمة تحت عنوان (المسار الرشيد لبيئة أفضل). وتحدث خلالها الأعضاء المشاركون والراعون في الجلسة الافتتاحية قبل البدء بجلسات المناقشات والتي طرحت فيها المشاكل وعولجت أساليب الحلول التنموية والتي تساهم في الحد من تلوث البيئة والمحافظة على صحة البشر والأرض.

وجاء في كلمة السيد سليمان الحربش: السيد ممثل فخامة رئيس الجمهورية، أصحاب السمو والمعالي والسعادة، أيها السيدات والسادة.

يشرفني أن أشارك في هذا المحفل الذي يتصدى من منظور عربي لمشكلة أصبحت أكثر المعضلات إلحاحاً في العالم، تلكم هي سلامة البيئة.

(أوفيد) منظمة تنموية دولية تساهم فيها سبع من الدول العربية هي: الجزائر، العراق، الكويت، ليبيا، قطر، المملكة العربية السعودية، الإمارات. نشاطها يمتد فيه إلى دول العالم النامي قاطبة عدا الدول الأعضاء.

العالم العربي يستأثر منذ التأسيس في عام 1976 بخمسة تعهدات (أوفيد) وللدول العربية الست الأكثر فقراً عناية خاصة. وفي كل ما نموّله من مشروعات فإن سلامة البيئة هي قطب الرحا.

اسمحوا لي أن ألخص كلمتي في ثلاثة محاور.

- أولاً: إننا في أوفيد وهو صندوق الأوبك للتنمية الدولية ننظر إلى البيئة على أنها إحدى الأركان الثلاثة للتنمية المستدامة. فهي من حيث الأهمية تتساوى مع الركنين الآخرين، وهما النمو الاقتصادي والتقدم الاجتماعي. لذا، فإن هذه الأركان يجب أن تتكامل من حيث النتيجة، وأن لا يؤثر أحدها سلباً على الآخر.

هذه من جهة، ومن جهة أخرى نرى أن معالجة المشاكل البيئية المحلية يجب أن تحظى بالأولوية لما لها من تأثير مباشر وكبير على حياة الفرد العربي وصيرورته. فمنطقتنا العربية تعاني من ندرة المياه وزيادة معدلات التصحر، لذلك فإن مسألة معالجة تلوث المياه والإدارة الرشيدة لموارد المياه بالإضافة إلى وقف التصحر والحفاظ على التنوع البيولوجي تستحق أن تأتي في أولوية الجهد العلمي والاستثمارات المالية، وأن تتساوى هذه الأمور مع زيادة الاستثمار في التعليم ونوعيته ومواكبته لحاجة السوق، والتوعية، وميزانيات البحوث لاستخدام الموارد المائية، وزيادة الاستثمار في القطاعات الصحية الوقائية، وتوفير المياه الصالحة للشرب.

وهنا لا بد لنا من وقفة عند التغيير المناخي (الأسباب والنتائج). فالتغيير المناخي يعزى إلى تراكم انبعاث غازات ثاني أكسيد الكربون. وحسب إحصاءات المعهد الدولي للموارد (World Resource Institute) فإن المجموع التراكمي لانبعاثات هذا الغاز في منطقتنا العربية لفترة 1900 إلى 2005 يبلغ حوالي 23 بليون طن، أي ما يعادل 2,3 في المئة من المجموع العالمي من حيث إن شعوبنا ستتحمل تبعات ذلك من نفقات واستثمارات لتتواءم مع هذه التبعات، وهذا يقودني إلى المحور الثاني.

- ثانياً: إن منطقتنا العربية غنية بمصادر الطاقة الأحفورية منها والمتجددة وعلى الرغم من هذا فأن استهلاكنا للطاقة يعتبر متواضعاً جداً بالمقارنة بالدول الصناعية. فعلى سبيل المثال يستهلك الفرد في الدول المتقدمة 6 أضعاف معدل استهلاك مثيله العربي في الطاقة الكهربائية. علماً بأن الطاقة الكهربائية تولد في بعض الدول الصناعية من مصادر الفحم الذي يعتبر أكثر إضراراً بالبيئة (من ناحية أكاسيد الكبريت والكربون) من بديليه وهما النفط والغاز اللذان يستخدمان في الدول العربية.

إن منطقتنا في بعض أطرافها تعاني من فقر في الطاقة، حيث يصل استهلاك الفرد للطاقة الكهربائية إلى 150 كيلووات - ساعة مقارنة مع 10.000 في الدول المتقدمة. هذه الفجوة الشاسعة في فرص النمو بين دول العالم كانت هاجساً رئيسياً لدى ملوك ورؤساء أوبك في قمتهم الثالثة التي استضافتها المملكة العربية السعودية في مدينة الرياض 2007، إذ نص بيان الرياض الصادر عن القمة على ضرورة اجتثاث فقر الطاقة وأناطت هذه المهمة بصندوق أوفيد وبقية صناديق التنمية التي تمولها دول المنظمة. وعلى الرغم من أن (أوفيد) يخصص حوالي 20 في المئة من تعهداته لقطاع الطاقة فإنه ينوي زيادة تلك الفعاليات تجاوباً في مبادرة (الطاقة للفقراء) التي أطلقها خادم الحرمين الشريفين في جدة عام 2008 تماشياً مع مقررات قمة الأوبك وقد باركتها مجموعة الثمانية وقمة العشرين. وستشمل فعالياتنا كما في السابق كافة مصادر الطاقة الأحفورية منها والمتجددة كالطاقة الشمسية وطاقة المياه وسواها. وهذه يقودني إلى النقطة الأخيرة، وهي كيف نوازن بين كل المتطلبات.

- ثالثاً: نحن نؤمن بأن الطاقة الشمسية، وبالذات في منطقتنا توفر إمكانات لا حدود لها من الطاقة. إلا أن واقع التكنولوجيا والبنى التحتية لن يمكنها من احتلال حجم كبير في مزيج الطاقة في المستقبل المنظور (العقود الثلاثة القادمة)، حيث أن نسبتها الحالية متدنية جداً ولا تتجاوز نسبة الطاقات المتجددة بجميع أشكالها (المائية، الشمسية، الرياح، البيولوجية) 5 في المئة في مزيج الطاقة الحالي.

وعلى الرغم من أن المواد الهيدروكربونية أثمن بكثير من أن تحرق حيث بالإمكان تحويلها إلى العديد من المنتجات عالية القيمة، إلا أن واقع التكنولوجيا اليوم يحتم وجودها بشكل أساسي في خدمة قطاع النقل والكهرباء. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فعلى الرغم مما يقال عن التحول باتجاه الاقتصاد الأخضر، فان التوقعات الحالية لوكالة الطاقة الدولية تؤكد بأن نمو استهلاك الفحم (الملوث الأكبر للبيئة) سيكون ضعف نمو استهلاك النفط للفترة 2006- 2030، وهناك الكثير من الجدل حول هذا الموضوع قبل الوصول إلى كوبنهاجن.

نحن جميعاً مسؤولون عن البيئة، ويجب أن نبذل الجهود بصورة تتكافأ فيها المسؤوليات مع الإمكانيات (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها). لذا، فإن رؤيتنا هي في إطار الانتقال المتزن بين أشكال الطاقة، والمبني على واقع التكنولوجيا المتاحة والممكنة بعيداً عن الشعارات والأهداف والمسيِّسة التي تؤدي إلى زيادة الهوة بين الأغنياء والفقراء، والى المزيد من البطالة والفقر وما ينجم عن ذلك من صراعات دولية وإقليمية.

أصحاب السمو والمعالي والسعادة، أيها العلماء والمفكرون، علينا أن نتذكر أن الطاقة الأحفورية وبخاصة النفط حملت مسؤولية النمو الاقتصادي العالمي خلال مئة عام بكل أمانة وكفاءة الأمر الذي يؤكد أن الانتقال منها إلى مصادر أخرى ليس مسعى هيناً، وينبغي ألا يكون مادة لخطاب تتلاعب فيه العواطف وإنما رحلة يجب علينا جميعاً أن نقطعها متسلحين بالعلم والمنطق ومن خلال التعاون الدولي الذي يخدم مصالح الجميع. وإذا كانت وكالة الطاقة الدولية تتوقع من دول الأوبك أن تلبي 86 في المئة من الطلب الإضافي على النفط منذ الآن وحتى 2030، فإن هذا يتطلب ضرورة التحرك بهدوء نحو تنويع مصادر الطاقة بما في ذلك الطاقة المتجددة. وعلينا أن نتذكر أن الاعتماد بشكل رئيسي على النفط لم يتم بين ليلة وضحاها بل استغرق عدداً من السنوات الأمر الذي ينطبق على أي مصدر من مصادر الطاقة المتجددة من ناحية إعداد البنية التحتية لمواكبة هذا التغيير. بل أن أي تغيير مفاجئ في الأنماط الاقتصادية الدولية يتحمل عبئه الفقراء، ولنا في الأزمة الاقتصادية الراهنة خير دليل.

في الختام، أذكركم أننا على وشك الوصول إلى كوبنهاجن والمهم إلا نعود منها - نحن العرب- بخفي حنيّن. نرجو أن يسود المنطق والعدل في المداولات والنتائج، وأنتم أيها المفكرون وكل من له صلة بصنع القرار أدرى بأن ما نلتزم به اليوم سيستفيد منه أو يضار به أجيال المستقبل وهم أمانة في أعناقنا.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد