خرجت اقتصاديات عديدة في العالم من بطش الانكماش ولم تعد رهينة لأرقامه القاسية وفي مقدمتها ستة عشرة دولة من منطقة اليورو على رأسها (ألمانيا، وفرنسا وإيطاليا) بتحقيق نمو للربع الثاني على التوالي في الناتج المحلي الإجمالي من هذا العام، يليها (اليابان وسنغافورة والهند والبرازيل) ولا ننسى الصين التي تمادت في نموها بالإضافة إلى اقتصاديات ناشئة أخرى، ولم يتبق سوى أمريكا وصديقة عمرها (بريطانيا) اللتان لا يزال الطريق أمامهما طويلا، خصوصا أمريكا التي وصل عجزها إلى 41.7 مليار دولار وفقا لأرقام أغسطس الماضي ومعروف أن اقتصادها بلا شك يشهد انتعاشاً لكنه معاق مما يجعله يحبو ببطء بسبب الترهل المزمن فيما يسمى بالعملة الخضراء! لكن دعونا نحدق بضعة دقائق في أرقام هذا الأسبوع لنعرف ماذا يدور خلف أهم العملات الأجنبية في العالم:
الدولار الأمريكي
لا جديد في حركة الدولار سوى أنها تظهر المزيد من التماسك على المدى المتوسط والبعيد بدءا من 2010م لكن على المدى القصير يعاني من الأرقام التاريخية للذهب حيث وصل إلى 149 دولار للأونصة لكن لوحظ فجوة في الأسعار بين أسواق الأسهم المتقدمة والناشئة تظهر رغبة في التحوط وجني الأرباح والتحول للأسواق الناشئة وتحويل النقد إلى ذهب وحتى يأتي التصحيح ستنقلب المعادلة وتظهر التناقضات كما هي العادة في أسواق الأسهم، أما بالنسبة للنفط فقد أظهر تقرير وكالة الطاقة الأمريكية انخفاضاً في المخزون إلى 0.9 مليون برميل مما يؤهل أسعار خامات النفط على المدى القصير لتجاوز حاجز 80 دولاراً للبرميل.
وحتى لا نجحف في حق البيانات الاقتصادية نبدأ بأرقام طلبات الإعانة للأسبوع الأول من نوفمبر التي وصلت إلى 502 ألف والرقم السابق كان عند 512 ألف طلب مما يبدو أن الشركات حاليا لديها القدرة على توظيف عناصر الإنتاج والعنصر البشري في مقدمتها، أما مبيعات التجزئة في أكتوبر ارتفعت 1,4% مقارنة بانخفاض سابق 1.5% وأسعار المنتجين على المقياس السنوي تقلص تراجعها إلى 1,9% والسابق انخفاض 4.8% أيضا أسعار المستهلكين لنفس الشهر نمت 0.3% مقارنة بنمو بنسبة 0.2% وبربط هذه المؤشرات الثلاثة نستنتج بأن المستهلك راضٍ عن المستوى العام للأسعار في المنتجات ويقبل على شرائها والمنتجين لا يعانون من مشكلة في خفض التكاليف وهو سر تماسك الأسهم الصناعية الفترة الحالية، أما قطاع العقار فأعلن عن أرقام المنازل حديثة الإنشاء في أكتوبر والتي تراجعت إلى 529 ألف منزل مع تراجع تصاريح البناء إلى 552 ألف تصريح بسبب الارتفاع القوي والأخير لأسعار المنازل مما قد نرى انخفاض فيها في القريب العاجل إذعانا من البائعين لظروف السوق، وأخيرا قلص الميزان التجاري في سبتمبر عجزه إلى 36.5 مليار بسبب ارتفاع الواردات 0.7% في أكتوبر كما في سبتمبر بسبب الإقبال المتزايد من أمريكا على شراء النفط لكن الإيجابي أيضا أن الصادرات نمت بنسبة 2.9% خلال سبتمبر برفقة الواردات وذلك دليل انفتاح في حجم التجارة الأمريكية مع العالم، وتبقى كلمة أخيرة بشأن متى يتعافى الدولار ؟ والجواب عندما يقلص الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي عجزه بالكامل وقد يستغرق مدة لا تقل عن 3 سنوات عجاف.
اليورو مقابل الدولار الأمريكي
بعد قمم هشة ومراوغة متعبة على الاتجاه الصاعد تم كسر خط الاتجاه عند 1.49 ويبقى أمل المشترين بمستوى 1.45 كمنطقة دعم والمسار الجانبي قد يكون أكثر ما يصبون إليه أما بشأن عمليات البيع على المكشوف يرجح أن تشهد رواجاً الأسبوع القادم.
الجنيه الإسترليني مقابل الدولار الأمريكي
نمط سلوكي يظهر تغلب البائعين على الزوج ومنعه من زيارة مستوى 1.70 قد يقود الزوج إلى مستويات تقع عند 1.64 في الأسبوع القادم في حدود المسار الجانبي الحالي ويبقى عالي المخاطرة أسوة باليورو مقابل الدولار.
الدولار الأمريكي مقابل الين الياباني
الزوج في اتجاه هابط ويظهر تفوق الين على الدولار بسبب أرقام اقتصاده الخضراء ويبقى مدعوما بمستويات تاريخية (88-89) ومستوى 90.58 مشاهدتها ممكنة الأسبوع القادم.
أعلن السيد (تريشيه) رئيس البنك المركزي الأوروبي رسمياً بأن الناتج المحلي الإجمالي للربع الثالث في أوروبا ينمو 0.4% مقارنة بانكماش سابق 0.2%، ساهم في ذلك ألمانيا التي تعتبر القائدة اقتصاديا هناك حيث حققت نمواً 0.7% مقارنة بنمو سابق 0.4% يلي ذلك فرنسا التي سجلت نمواً 0.3% حتى إيطاليا التي غالبا ما تكون متأخرة تماما كإسبانيا أعلنت نمواً 0.6% مقارنة بانكماش سابق 0.5%، وذلك بسبب تحسن مستويات الصادرات والإنتاج الصناعي في القارة لكن العملة سبقت ذلك كله بارتفاعاتها الشاهقة.
الجنيه الإسترليني
مؤشر (رايت موف) لشهر نوفمبر الذي يرصد أسعار المنازل انخفض 1.6% مقارنة بارتفاع 2.8% مما يبدو أن البائعين خفضوا الأسعار للسيطرة على حجم المبيعات وبالمجمل جاءت نتيجته إيجابية، كذلك أعلن عن أسعار المستهلكين في أكتوبر حيث نمت 0.2% وغادرت مستوياتها الصفرية مدعومة بارتفاع إنتاج السلع الصناعية وهي مكملة للأرقام الإيجابية في الأسابيع الماضية، أما مبيعات التجزئة فقد نمت بنسبة 0.3% امتداداً لتحسن أسعار المستهلكين الماضية كذلك تراجع مؤشر CBI الذي يرصد حجم الطلبات الصناعية في نوفمبر إلى مستوى 45 والسابق كان عند 51 مما يعطي مؤشراً على أن معدلات الاستهلاك في الأيام القادمة قد تواجه صعوبة في النمو لكن هذا على المدى القصير، طبعا العملة الملكية مستمرة في توافقها مع هذه الأرقام أكثر من العملات الرئيسة الأخرى والمسار الجانبي للحركة الفنية تثبت تباين الأداء في البيانات الاقتصادية.
الين
تلقت أسواق المال هناك نبأ نمو الناتج المحلي الإجمالي للربع الثالث 1.2% مقارنة بنمو للربع الثاني 2.3% بشكل سلبي حيث جاءت دون التوقعات وبتراجع عن الرقم السابق لكن لا ننسى بأنه مقارنة بالعام الماضي وخلال آخر ربعين يبدو أن وتيرة الانتعاش أقوى من الانكماش هذه السنة مع نمو للصادرات بشكل متوالٍ وسيطرة على سعر الين في حدود معينة تعطي انطباعاً بأن السياسات الاقتصادية هناك تتحرك في الاتجاه الصحيح. أما بالنسبة للأرقام نبدأ بالإنتاج الصناعي في شهر سبتمبر حيث يظهر نمواً بنسبة 2.1% مقارنة بنمو سابق 1.4% يدل على ارتفاع في الطلب على السلع اليابانية ويرسل إشارة بأن الاستهلاك في تلك الفترة كان بحالة جيدة وكذلك أداء المنتجين، لكن ثقة المستهلك في شهر أكتوبر وصلت لمستوى 40.8 مقارنة بالمستوى السابق 40.7 وفيها تدني ميول المستهلكين في رغبة الإنفاق وهو ما ساهم في إرغام أسواق الأسهم هناك في التداول دون حاجز 10 آلاف نقطة خصوصا في مؤشر (نيكاي)، من جهة أخرى أُعلن عن نمو حجم الشحن البحري بنسبة 4.2% وهو ما يؤكد قوة تسويق البضائع اليابانية.
(تم إعداد هذا التقرير بعد إغلاق الأسواق اليابانية يوم الخميس الساعة 9 صباحا بتوقيت جرينتش)
وليد العبدالهادي / محلل أسواق المال
waleed.alabdulhadi@gmail.com