الجزيرة - عبدالعزيز العنقري
دعا اقتصاديون مؤسسة النقد العربي السعودي (ساما) إلى زيادة مستويات الذهب لديها واشترطوا لذلك وجود خطة لتغيير مكونات الاحتياطيات الأجنبية ل(ساما) يتبعها رفع قيمة الريال. وقال الاقتصادي الدكتور عبدالوهاب أبو داهش ل(الجزيرة): ارتفاع سعر الذهب الحالي يعود إلى العملية الاستباقية الناتجة عن التوقع باستمرار انخفاض قيمة الدولار وارتفاع معدلات التضخم مستقبلاً.. وأضاف: لو اعتمدت مؤسسة النقد زيادة مستويات الذهب لديها, فهذا التوجه أؤيده بشرط وجود خطة لتغيير مكونات الاحتياطيات الأجنبية ل(ساما) يتبعها رفع قيمة الريال، وغير ذلك فإن شراء الذهب يصبح لا معنى له. واعتبر الدكتور إبراهيم الغفيلي أن أسباب الارتفاعات الأخيرة للذهب تعود لمخاوف المستثمرين من أسواق الأسهم العالمية, فمؤشر الداو جونز ومؤشرات الأسهم الأوربية يلاحظ عليها في الآونة الأخيرة كثرة التذبذب وهذا يدل على سياسة خروج المستثمرين من أسواق رؤوس الأموال والدخول في أسواق السلع ذات المخاطر الأقل وهذا ما يبرر زيادة الطلب على الذهب وارتفاعاته الأخيرة، أضف لذلك أن إنتاج الذهب وعرضه يعتبر محدوداً، مما يبرر الضغوط التضخمية التي تظهر على سلعة الذهب والتي بالإمكان أن تنتقل لسلع أخرى. وحول رأيه في إمكانية تحرك (ساما) لرفع مستويات الذهب لديها، أوضح الغفيلي أن الذهب أحد الاحتياطيات ولكن حجمه لا يغطي حجم التجارة العالمية، وبالتالي فإنني أؤيد أن تكون هناك سلة عملات أجنبية (كاليورو والين والجنيه الإسترليني إضافة للدولار الأمريكي) كسياسة تسعير للريال السعودي، وهذا سيساعد المملكة في التهيئة للعملة الخليجية الموحدة.
وفيما يتعلق بهشاشة انتعاش الاقتصاد العالمي حتى الآن رغم ضخ تريليونات الدولارات عبر خطط التحفيز، قال أبو داهش: يعود ذلك بالدرجة الأولى لتركز خطط التحفيز وخاصة في الدول الصناعية على القطاع المالي، لا على قطاعات الاقتصاد الحقيقي. ما نتج عنه الارتفاع المستمر بمعدلات البطالة وانخفاض مداخيل الأفراد والإنفاق الاستهلاكي. وهو ما يبرر بالنتيجة انخفاض ثقة المستهلكين.
وأضاف د. أبو داهش في معرض تعليقه على تحذير صندوق النقد لدول مجموعة العشرين من سحب إجراءات التحفيز قبل الأوان لهشاشة الانتعاش العالمي.. قائلاً: يجب على المجموعة أن تركز في العام المقبل على قطاعات الاقتصاد الحقيقي بدلا من القطاع المالي وعلى خفض البطالة التي أراها المعضلة الحقيقية لدول العشرين في 2010 من خلال تقديم حلول للبطالة وخفض الضرائب وتشجيع الشركات على الاستثمار وأيضا تحفيز القطاع البنكي على الإقراض.. ومضى أبو داهش: تبني هذه العوامل الثلاث سيؤدي حتما لخفض معدلات البطالة ما سينعكس إيجابا على إعادة ثقة المستهلكين، أما إذا استمرت مجموعة العشرين في التركيز على معالجة القطاع المالي بدلا من التركيز على خفض البطالة ومعالجة مشاكل الاقتصاد الحقيقي فإنني أعتقد أن انتعاش الاقتصاد العالمي سيظل هشاً، وبالتالي لن تنجح خطط التحفيز.
وعن رأيه حول تخوف بعض الاقتصاديين من أن خطط التحفيز ستخلق شبح التضخم الذي يرونه أخطر من الركود، خصوصاً مع الانخفاض المستمر في قيمة الدولار، قال أبوداهش: التضخم نتيجة وليس سبباً, ويجب أن لا نقلق من ارتفاع معدلات التضخم بقدر قلقنا من ارتفاع معدلات البطالة, لأنها تنعكس سلباً على النمو الاقتصادي وتخلق مشاكل اجتماعية. مما يُضعف الطلب على السلع والخدمات وبالتالي ستكون عودة الانتعاش الاقتصادي بطيئة للغاية.
وتابع أبو داهش: التضخم في نهاية المطاف يظل ذو علاقة برغبة الأفراد في الإنفاق من عدمه وهذه الأشياء لا يمكن معالجتها الآن.. وبالتالي يجب التركيز على معالجة البطالة بدل التخويف من التضخم. وأبان أبو داهش أن معدلات التضخم في دول الخليج سببها الرئيس ضعف الدولار الأمريكي، وبالتالي يجب عليها اتخاذ خطوات شجاعة برفع قيمة عملاتها أمام الدولار؛ لأن الدولار يتضاءل ويضعُف في قيمته، والتوقعات تشير إلى استمرار ضعفه مستقبلاً ومن هذا المنطلق إذا لم يتم رفع قيمة العملات الخليجية بما فيها الريال السعودي ليعكس قوة الاقتصاد السعودي, فباعتقادي أن سياسة رفع الرواتب لن تجدي نفعا, لأننا سنظل نصاب بخلل هيكلي في الاقتصاد السعودي، فعملية رفع مرتبات المواطنين لن تفيد، لأنها في نهاية المطاف لن يشعر بها المواطن، إضافة إلى أنها ستجعل القطاع الخاص يعتمد على القوى العاملة الأجنبية عبر زيادة الاستقدام من الخارج بدلا من الاعتماد على العمالة الوطنية، ولذلك أرى أن لا حلول جذرية لهذه المشكلة إلا برفع قيمة الريال أمام الدولار لأنه سيرفع من دخل المواطن وسيعكس قوة الاقتصاد المحلي.
إلى ذلك قال الدكتور إبراهيم الغفيلي: إن الانتعاش العالمي مازال ضعيفا وهشاً لعدم تحسن مؤشرات البطالة ومؤشر ثقة المستهلكين بطريقة تؤكد على استمرارية التحسن.. وأضاف: مجموعة العشرين ودول أخرى ضخت سيولة هائلة أدت لارتفاع أسواق المال العالمية دون أن تُخرج الاقتصاد العالمي من غرفة الإنعاش، مبينا أنه إذا لم يصاحب هذا الضخ سن قوانين صارمة متعلقة بمراقبة البنوك من حيث ملاءمتها المالية، ومراقبة المضاربات المحمومة في أسواق المال وأسواق السلع، وإعادة هيكلة صندوق النقد الدولي والبنك الدولي فإن سيناريو الأزمة المالية سيتكرر ولو بطريقة أقل قسوة، وما ساعد في التخفيف من آثار الأزمة الحالية استيعاب الاقتصاد الصيني والهندي للصدمة ولولا ذلك لكانت الكارثة أكبر.
وحول مدى تأثير خطط التحفيز على زيادة معدلات التضخم، قال الغفيلي: أعتقد أن هذا الطرح صحيح، حتى إن محافظ مؤسسة النقد د. الجاسر توقع في تصريح له الأسبوع الماضي أن المملكة ستواجه ضغوطات تضخمية ستصل إلى (5%) في نهاية 2009 وبداية 2010م.
وتابع الغفيلي: الخلل الحاصل في سعر صرف الدولار وتأكل قيمته أمام العملات الرئيسية قد يكون في صالح الاقتصاد الأمريكي ولكنه بالتأكيد ليس في صالح الدول الأخرى التي تسعر سلعها بالدولار. والآن هناك نداءات نسمعها في الدول المجاورة لإعادة النظر في جدوى ربط عملاتها بالدولار، حتى إن صندوق النقد حث المملكة على إعادة النظر في سياستها المتعلقة بتسعير الريال المعتمد على الدولار فقط.. ومضى الغفيلي: صحيح أن الدولار مهم للدول المصدرة للبترول ولكني أرى من الأفضل أن يربط الريال بسلة مكونة من عملات رئيسية أخرى من ضمنها الدولار، لأن اقتصادنا أصبح حالياً متنوعاً ولا يعتمد على التصدير لأمريكا فحسب فهناك دول أوربية إضافة للصين واليابان والهند التي تستورد منتجاتنا البتروكيماوية بنهم، وبالتالي حتى نعكس عملتنا بالتعاملات التجارية مع دول العالم سواء في التصدير أو الاستيراد فيجب أن نحمي أنفسنا من الضغوط التضخمية المستوردة والناتجة عن انخفاض الدولار.
وكان وزراء المالية في مجموعة العشرين أكدوا في اجتماعهم الأخير الذي انعقد في اسكتلندا مطلع الأسبوع الماضي على استمرار تدفق المساعدات حتى يتأكد الانتعاش بعد تأكيد صندوق النقد هشاشة الانتعاش العالمي وتحذيره من سحب إجراءات التحفيز قبل الأوان.