Al Jazirah NewsPaper Saturday  21/11/2009 G Issue 13568
السبت 04 ذو الحجة 1430   العدد  13568
القنوات الدينية وتحييد المرأة
منيف خضير

 

منذ أكثر من عشر سنوات تقريباً ظهرت أول قناة دينية على القمر عربسات وهي قناة (اقرأ)، الآن يعج الفضاء بحوالي 25 محطة فضائية كلها تدّعي وصلاً بالدين وتتراوح مابين مذاهب عدة، وتتعصب بعضها لدرجة الغلو في الدين بفرضها فكرا معينا تزعم أنه هو الإسلام الحقيقي وغيره يضرب فيه عرض الحائط وطوله!

والحقيقة أن انتشار هذه القنوات الفضائية التي تسمي نفسها دينية يظل حالة صحية من وجهة نظري، فالأمر في النهاية عرض وطلب ولن يستمر إلا الأفضل، وهناك قنوات يجب أن نقف لها احتراماً، خصوصاً تلك القنوات الناطقة باللغة الإنجليزية والتي تستهدف الجمهور الغربي، وثمة قنوات أخرى ناطقة بالعربية أيضاً تواكب الحياة العصرية من منظور ديني معتدل، وبعضها حقق نسبة مشاهدة عالية بين المتابعين العرب لبعدها عن الغلو والتطرف، ولكن تقتضي الحقيقة أن نشير إلى بعض القنوات التي بلغ من مغالاتها ومتاجرتها بالدين أن تمنع ظهور المرأة نهائياً على شاشاتها، في تحييد واضح للمرأة المسلمة التي نفترض فيها الكثير لمواكبة المراحل المقبلة والتي تشهد انفتاحاً خطيراً وتضيق دائرة الثقافات في هذه المرحلة حتى لتكاد أن تلتقي في نقطة واحدة، الآن لا يمكن أن تحول اللغة - على سبيل المثال - عائقا ًبين الشعوب كالسابق في ظل وجود مئات برامج الترجمة الحاسوبية حيث يمكنك الحديث مع من تشاء بشكل مباشر، ولا يمكن أن تحول الجغرافيا أيضاً بين البشر؛ فثورة الاتصالات كالثور الهائج كل يوم تزداد شراسة وإبهاراً، وفي أوضاع كهذه يجب أن تهيأ المرأة لدورها المنتظر كمربية للأجيال وكشريكة للرجل لا تابعةً له في رحلة الحياة، فأي دين هذا الذي يحرم مجرد ظهور امرأة محتشمة في فقرة إخبارية عابرة أو في شارع ما من شوارع العالم الإسلامي؟

ألم يدرك هؤلاء أن الإعلام مؤثر في المجتمعات؟ فهل نريد لهذه المجتمعات أن تحيد المرأة بهذا الشكل المتطرف؟ ومن سخرية البشر أن تخصص برامج كاملة في هذه القنوات مخصصة للمرأة يديرها الرجال بدءاً من الإعداد وانتهاءً برسائل الSMS!

ومن المعروف أن المرأة لم تكن بمعزل عن الحياة الدينية والاجتماعية في العصور الإسلامية الأولى، والمرأة اليوم تختلف عن السابق حينما كانت تعاني من ضعف التأهيل، الآن هناك الكثير من خريجات الجامعات ينتظرن حظهن في التوظيف، ما الخطأ أن يتم توظيفهن في الإعداد والمونتاج والإخراج مثلاً، وتأهيلهن إعلامياً في ظروف تحفظ لهن كرامتهن ودينهن؟

هل من العدل أن تبث حزمة من القنوات دون وجود للمرأة نهائياً باستثناء صوتها أحيانا؟

ولمخالفة هذه الفكرة طالعتنا إحدى هذه القنوات التي تحكي باسم الدين، (ورسيفراتها تباع بأرقام خيالية) طالعتنا قبل أيام ببرامج نسائية تتحلق فيها عدة نسوة متشحات بالسواد من أعلى الرؤوس وحتى أخمص القدمين يناقشن قضايا عامة بلباس توحي هذه القناة أنه هو الزي الحقيقي للمرأة المسلمة، ومع احترامي لحرية كل فرد بلبسه وفق حدود دينه إلا أنني لا أحترم من يفرض هذا الزي وكأنه هو اللباس الإسلامي وما عداه فلا، فأي تطرف هذا؟ حينما يكون إعلامك موجهاً فمن الخطأ أن تفرض رأيك، سيأتي اليوم الذي تجد فيه جمهورك ومتابعيك يتوجهون إلى قنوات أخرى حينما يعلمون أن ما تفرضه أنت ليس كل الحقيقة.

وهذه الظاهرة تحتاج إلى التوقف حيالها، وأحياناً يحتاج الأمر إلى تدخل لإنقاذ الأجيال من هذا الفكر الذي كنا نظنه ولّى إلى غير رجعة مع تطاير غبار تورا بورا، وأنا شخصياً مقتنع أن الدافع وراء هذه القنوات ليس دينياً بالدرجة الأولى، المسألة ربحية وتجارية بحتة، فتاجروا بكل شيء يا هؤلاء، إلا الدين لا تتجاروا به، نحن نعرف أن هذه القنوات تسيطر عليها مجموعة معينة تحاول أن تفرض نفسها على الخارطة حتى وإن تطلّب ذلك أكل حقوق المؤلفين والمنشدين والقصص كثيرة - كما نسمع - لا داعي لأن أبتعد كثيراً عن موضوعي ولا أخفيكم أني أبدو أكثر تفاؤلاً في ظل وجود وزارة الثقافة والإعلام الحالية والتي دشنت مؤخراً قناة الأجيال والتي تديرها إعلامية فاضلة في خطوة لخلق توازن في المجتمع الذي فقد نصفه الآخر، فالمرأة تنتظر حقوقها الإعلامية في مجالات عدة من بينها دينها الذي شرّفها الله بالانتساب إليه. الآن سيأتي من يدعي أن الفرص متاحة للمرأة ويقول لك لكن أين المتخصصات وأين المؤهلات وأين الداعمات؟

وهذا الكلام لا يخلو من الصحة فهل سنشاهد في القابل من الأيام قنوات فضائية للمرأة المسلمة تدار عن بكرة أبيها عن طريق نساء مؤهلات؟

أرجو ذلك بعيداً عن احتكار الرجل التورا بوري.



Mk4004@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد